أسباب الزيادة المستمرة للأسعار
صفوت قابل
آخر تحديث:
الخميس 11 أغسطس 2022 - 6:55 م
بتوقيت القاهرة
من المشكلات التى تعودنا التعايش معها هى الزيادة المستمرة للأسعار، والشكوى المستمرة من هذه الزيادات، وأصبح حالنا الترحم على الأسعار التى كنا نشكو زيادتها من أيام بسبب الزيادات الجديدة، كما أن هناك اعتقادا عاما بأن الأسعار ستظل ترتفع مما يجعلنا نتقبل الزيادة المستمرة للأسعار دون اعتراض حقيقى، مع استمرار السخرية مما يحدث، ورغم أن هذا الوضع يؤثر سلبا على مجمل الاقتصاد القومى إلا أن الحكومة تحاول تبرير ارتفاع الأسعار للمواطنين ولا تستطيع تغيير الحال.
نقطة البداية فى هذا الخلل الاقتصادى هو أنه من المفترض اقتصاديا أن تكون هناك علاقة بين الأجور والأسعار، بحيث تتناسب الأجور مع المستوى العام للأسعار، وهو ما لا يحدث فى اقتصادنا، وبالتالى فمع كل زيادة فى الأسعار نجد أن دخلنا لا يستطيع الوفاء بالاحتياجات الضرورية، مما يخلق شكوى مستمرة تأتى معها محاولات لزيادة الدخل بأية وسيلة، وبالطبع ليس الحل هو زيادة الأجور دون زيادة الإنتاج، وهو الأمر من شأنه زيادة نسبة التضخم واستمرار زيادة الأسعار، ومن هنا يأتى دور الحكومة فى وضع السياسات التى تؤدى إلى زيادة الإنتاج وعلاج الخلل بين الأجور، وقد يتطلب ذلك وقتا ولكنه سيؤدى بعد فترة إلى تحسن الاقتصاد ووقف ما يحدث من تراكم للمشاكل التى نعيشها، مع استمرار طاحونة الكلام للتبرير، والوعود التى لا تتحقق.
ثم يأتى السؤال عن كيف تتحدد الأسعار، الحكومة والمنتجون يقولون إن الأسعار تتحدد وفقا للطلب والعرض؛ حيث إن اقتصادنا يسير وفقا لآليات السوق الرأسمالى، ولكن المتابع لأحوال الاقتصاد يجد أننا أبعد ما نكون عن آليات العرض والطلب، فهناك احتكارات تتحكم فى غالبية السلع وتفرض الأسعار التى تريدها، ولا نجد من الحكومة قواعد للتسعير، وحتى عندما تحاول الحكومة وضع هذه القواعد مثلما فعلت عندما أصدرت قرارا بإلزام المستورد بكتابة سعر الاستيراد على السلعة، فلم تستطع تنفيذه، وبالتالى لابد من فتح السوق أمام آخرين ليتحقق مبدأ حرية الدخول والخروج من السوق، وهو ما يتطلب تسهيل الإجراءات، وليس مجرد خروج الحكومة من السوق وتسليمه لمجموعة من المحتكرين.
ومن ضمن الفوضى التى تؤدى إلى استمرار زيادة الأسعار هو غياب سياسات توفير مستلزمات الإنتاج، فبالرغم من الحديث عن تحقيق الاكتفاء الذاتى فى الدواجن والبيض إلا أن أسعارها تتزايد بصورة غير طبيعية، والسبب الذى يسوقه المنتجون هو عدم توافر الأعلاف، وهنا نعود إلى دور الحكومة ممثلة فى وزارة الزراعة، فلماذا لا تضع فى خطتها كيفية تحفيز المزارعين على زراعة هذه الأعلاف بدلا من الاستيراد فى زمن نقصت فيه العملات الأجنبية؟.
كذلك على الدولة أن تتوقف عن سياسات التبرير ورصد المليارات لتوفير السلع لمحدودى الدخل، فمهما فعلت لن تستطيع توفير هذه السلع إلا لفترة محدودة كفترة الستة شهور التى أعلنت عنها فى يوليو 2022 والبديل لذلك هو وضع سياسات تنظيم السوق ووضع قواعد للتسعير، حتى لا يقوم المحتكرون بتخزين السلع ثم بيعها بأسعار مرتفعة، لا سيما السلع التى تنتج محليا مثل الأرز والسكر ومنتجات الألبان.
ومن الأسباب الدائمة لتبرير زيادات الأسعار هى ارتفاع الأسعار العالمية نتيجة لتداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا. مع زيادة اعتمادنا على الواردات يصبح من الطبيعى أن نتأثر بالأسعار العالمية، ولكننا تعودنا على تقبل زيادة الأسعار العالمية، وعندما تنخفض هذه الأسعار العالمية لا نستفيد من ذلك، ومثال على ذلك ما قيل من زيادة أسعار القمح عالميا وما أدت إليه من زيادة أسعار الخبز ونقص حجمه محليا رغم توافر المخزون لشهور، فمع تراجع أسعار القمح عالميا لم نستفد من ذلك وبدأت حملة من التبريرات التى تمحورت حول زيادة باقى تكاليف الإنتاج، مما يؤكد ضرورة وضع قواعد عادلة للتسعير، وهو دور الحكومة التى لا تريد القيام به، نفس الأمر حدث فى سلعة أساسية أخرى وهى الزيت حيث انخفضت أسعاره عالميا ولم تنخفض محليا، وحتى التموين لم تنخفض أسعاره.
كذلك من الأسباب الدائمة لزيادة الأسعار هو عدم توافر العملات الأجنبية، وهو وضع سيزداد الفترة القادمة، مما جعل الحكومة تضع قواعد لفتح الاعتمادات المستندية اللازمة للاستيراد، مما يؤدى إلى عدم توافر السلع المستوردة مما يزيد من أسعارها، ولا بديل لذلك سوى العمل بجدية على إنتاج بدائل للواردات بصورة صحيحة وليس مجرد تصريحات عن توجيهات رئاسية لا تتحقق.
ما سبق مثل مجموعة من الأسباب التى تؤدى إلى الزيادة المستمرة فى الأسعار، ولمواجهة ذلك أكرر دائما أنه لابد من دور للحكومة فى وضع السياسات السليمة لزيادة الإنتاج فى قطاعى الصناعة والزراعة، وتوجيه المليارات التى تقول إنها تخصصها لتوفير السلع وإنتاجها وليس استيرادها.