حرب لن تنتهى قريبا!
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الجمعة 11 أغسطس 2023 - 8:30 م
بتوقيت القاهرة
مع استمرار الحرب الروسية ــ الأوكرانية والتطور النوعى فى العمليات العسكرية من قبل الطرفين، صار واضحا أن احتماليات التفاوض والوساطة بغية التوصل إلى حل سلمى ينهى الحرب التى كلفت العالم الكثير تكاد تكون معدومة.
• • •
من جهة أولى، لا تملك القيادة الروسية المقومات اللازمة للدخول فى مفاوضات سلام ناجحة. فقد حدد فلاديمير بوتين ضم الأقاليم ذات الأغلبية العرقية الروسية والواقعة داخل الأراضى الأوكرانية إلى الوطن الأم كالهدف الأساسى «للعملية العسكرية» الذى لا يمكن التنازل عنه، وتم صياغة الخطاب الرسمى الداعم للحرب لتبرير حتمية ضم تلك الأقاليم الواقعة فى الشمال الشرقى من أوكرانيا كخطوة ضرورية لحماية السكان الروس من عنف وعنصرية «المجموعات النازية» التى نشطت خلال السنوات الماضية.
هذا هو الهدف الأساسى لروسيا. وفى المقابل، يستحيل على صناع القرار فى أوكرانيا، أن فلوديمير زيلينسكى أو حكومته أو الجيش الذى ارتفعت معدلات تسليحه بسرعة بالغة خلال الشهور الماضية، الموافقة عليه مثلما يستحيل تصور موافقة أغلبية الشعب الأوكرانى بعد ويلات ودمار الحرب ومعاناة الناس من الدماء والارتحال واللجوء التى رتبها العدوان الروسى.
يصعب أيضا تصور قبول صناع القرار الغربيين، وحكوماتهم تقف فى الصفوف الأمامية الداعمة لأوكرانيا عسكريا واقتصاديا وماليا وتكنولوجيا، لفوز روسيا بأقاليم هى داخل أراضى دولة مستقلة ذات سيادة. فجائزة كهذه ستعنى تسليم الغربيين بكون الغزو وشن الحروب العدوانية على الغير والعمليات العسكرية داخل أراضى دولة ذات سيادة هى أمور يمكن قبولها فى المنظومة الدولية والاعتراف بنتائجها المتمثلة فى انتزاع أراض من دول ذات سيادة أو فى إفلات المعتدين من العقاب. جائزة كهذه ستعنى أيضا إقرار الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بنجاح استراتيجية وسياسات بوتين فى الضغط على جواره المباشر لمنع اقتراب دوله من الغرب وفى إعادة الاعتبار للقوة الروسية أوروبيا وعالميا.
بالقطع، يربط الخطاب الرسمى لبوتين وحكومته والمؤسسة العسكرية بين ضم الأقاليم ذات الأغلبية العرقية الروسية إلى الوطن الأم وبين ضرورة ثانية للأمن القومى وهى الحيلولة دون انضمام أوكرانيا لحلف الناتو ومن ثم منع المزيد من الاقتراب الجغرافى للغربيين من الحدود الروسية. غير أن إبعاد أوكرانيا عن الانضمام للناتو وحمل الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا على الموافقة عليه ليس بصعوبة انتزاع أقاليم خاضعة للسيادة الأوكرانية المعترف بها دوليا وضمها إلى روسيا. فواقع الأمر أن واشنطن وعواصم الاتحاد الأوروبى لا تجمعها سياسة واحدة لجهة ضم كييف للناتو. فبينما يرفض الجانب الأوروبى بوضوح ويشير إلى أهمية النظر إلى مقتضيات الأمن القومى الروسى بجدية، يواصل نظيره الأمريكى الحديث عن الأمر بأكثر من لسان ويختلف من أعضاء ديمقراطيين إلى جمهوريين حوله. وفى التحليل الأخير، لم تقدم القمة الأخيرة للناتو والتى شارك بها زيلينسكى على وضع أوكرانيا على مسار العضوية.
فى جميع الأحوال، ليس الوصول إلى حل تفاوضى بشأن مسألة أوكرانيا وحلف الناتو بمستحيل. ويمكن تصور وساطة أوروبية ناجحة فى مفاوضات سلام تعرض على كييف شيئا من الارتباط التدريجى والمنظم بالحلف أو دبلوماسية أمريكية عنوانها ضمانات أمنية لكييف على غرار تل أبيب (كما طرح الرئيس الأمريكى جو بايدن أخيرا). كما يمكن أيضا تصور إعلان الولايات المتحدة والدول الأوروبية عن عزمهم مواصلة تسليح وتدريب الجيش الأوكرانى دون انضمام إلى الناتو، وكذلك تقديم ضمانات إضافية تتمثل فى رفع معدلات التسليح والتدريب حال تجدد الاعتداءات الروسية. ضم الأقاليم ذات الأغلبية العرقية الروسية وخرق السيادة الأوكرانية، بل وعدم الاعتراف الروسى بها، هى المعضلات الكبرى لمفاوضات سلام ناجحة.
• • •
من جهة ثانية، تورط الجانبان الأمريكى والأوروبى، ليس فقط فى فرض عقوبات واسعة على روسيا، بل فى تسليح أوكرانيا على نطاق واسع وسريع وفى رفض فتح المسار التفاوضى مع بوتين وحكومته طوال الشهور الماضية.
رتب التورط الغربى فى الحرب والضغط الأمريكى المكثف على الحلفاء الأوروبيين للاشتراك فى تقديم السلاح والمساعدات التكنولوجية والاقتصادية والمالية لكييف نجاح الأخيرة فى مواجهة الغزو الروسى. يمكن التوازن العسكرى حكومة زيلينسكى، وعلى الرغم من تواصل هجمات الصواريخ والمسيرات الروسية، من رفض التفاوض مع موسكو قبل أن تنسحب من الأراضى المحتلة ومن مواصلة مواجهة الجيش الروسى دون خوف من انهيار كامل لأوكرانيا واحتلال لكامل أراضيها. وقد كان ذلك الخوف فى أذهان صناع القرار الأوكرانيين والغربيين فى الأيام الأولى للحرب. كذلك يمكن التوازن العسكرى بين الطرفين حكومة زيلينسكى من إنتاج خطاب رسمى يقضى بحتمية «النصر» ويقنع الشعب الأوكرانى بواقعية الخطط العسكرية المنفذة.
بل إن التورط الغربى فى الحرب صار يفتح الباب تدريجيا لخطاب أمريكى وأوروبى معاد ليس فقط لروسيا، بل للصين التى تتهم بمساعدة بوتين، ولكل دول الجنوب العالمى التى ترفض إدانة الطرف الروسى وترفض أيضا أن يزج بها فى سياقات حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل.