كيف يمكن إنهاء تسليح الولايات المتحدة لآلة الحرب الإسرائيلية؟
مواقع عالمية
آخر تحديث:
الأحد 11 أغسطس 2024 - 6:35 م
بتوقيت القاهرة
ما الذى يمكن أن ينهى حرب إسرائيل ضد قطاع غزة؟ هذا السؤال حير أصحاب الضمائر الحية فى مختلف أنحاء العالم منذ أكتوبر الماضى.
فى الحقيقة، بعد المواطنات والمواطنين الإسرائيليين، يتمتع دافعو الضرائب فى الولايات المتحدة بأكبر قدر من النفوذ على الحكومة الإسرائيلية، ذلك لأن الإدارة الأمريكية هى أكبر مورد للأسلحة لتل أبيب.. فماذا لو أنفقت الولايات المتحدة ضرائبها على احتياجات شعبها بدلًا من دعم إسرائيل؟
بعبارة بديلة، لإنهاء الدعم الأمريكى لإسرائيل فى حربها ضد غزة، قد يكون تناول الأمر بالمقارنة بين الإنفاق على الحرب من جانب، وبين الإنفاق على البرامج الاجتماعية فى الداخل الأمريكى من جانب آخر، له صدى عظيم خاصة ونحن فى عام الانتخابات الأمريكية.
لسوء حظ الشعب الفلسطينى وحلفائه، يبدو أن المرشحة الديمقراطية للرئاسة كامالا هاريس، تتبنى نهجًا مشابهًا لنهج بايدن، أى تستخدم مصطلحات قوية تؤيد رفع المعاناة الفلسطينية، لكن فى نفس الوقت تؤكد على التزامها الراسخ بأمن شعب ودولة إسرائيل. صحيح قد تعتقد هاريس أن معاناة الشعب الفلسطينى يجب أن تنتهى، لكن بين الآن ونوفمبر، تواجه خيارًا حاسمًا: إما التعهد بالولاء لإسرائيل أو الالتزام بالمعايير الأخلاقية الأساسية التى تقدر الحياة البشرية. لكن نظرًا للسيطرة الخانقة التى تتمتع بها إسرائيل وجماعات الضغط القوية التابعة لها على النظام السياسى الأمريكى، فإن هاريس وحزبها قد يشعرون بأنهم يخاطرون بالفوز إذا واجهوا إسرائيل.
وبما أن خصم هاريس الرئيسى فى الانتخابات، دونالد ترامب، لن يكون أفضل (ربما أسوأ) من بايدن فيما يتعلق بغزة، فهل هناك أى نفوذ مهم متبقى لإنهاء معاناة الفلسطينيين والفلسطينيات؟ هل يستطيع الناخبون والناخبات الديمقراطيون «غير الملتزمين»، البالغ عددهم نحو 700 ألف ناخب وناخبة، والذين هددوا بحجب أصواتهم بسبب حرب غزة، أن يكونوا مؤثرين بما يكفى لإقناع هاريس بفعل الشىء الصحيح؟ ربما، لكنها قد تخدعهم، قد تروج للمخاطر السياسية التى قد تلحق بالجبهة الأمريكية الداخلية إذا فاز ترامب.
• • •
الحقيقة المحزنة هى أنه رغم أن الحزبين الديمقراطى والجمهورى لديهما برامج محلية مختلفة، فإنهما يميلان إلى التوحد نسبيًا بشأن السياسة الخارجية. فغالبًا ما دعم الحزب الديمقراطى نفس الحروب التى دعمها الحزب الجمهورى فى الشرق الأوسط. مثلا، برز السيناتور -آنذاك- باراك أوباما فى عام 2008 باعتباره «مرشحًا رئاسيا مناهضًا للحرب» فيما تعلق بالتدخل الأمريكى فى العراق، لكنه ظل مرشحًا مؤيدًا للحرب فى أفغانستان التى بدأت فى عام 2001.
ومع ذلك، النقاط التى طرحها أوباما بشأن غزو العراق تقدم لنا آلية مغرية للتعامل مع حرب غزة فى عام 2024. ففى معرض مواجهته لمنافسه السيناتور، جون ماكين، قال أوباما: «فى مقابل جزء ضئيل مما ننفقه كل عام فى العراق، نستطيع أن نمنح معلمينا المزيد من الأجور والمزيد من الدعم، وأن نعيد بناء مدارسنا المتداعية، وأن نقدم إعفاءات ضريبية لوضع الشهادة الجامعية فى متناول أى شخص يرغب فى ذلك».
جاء رد ماكين على أوباما بأن وصف الأخير أنه شخص غير مسئول، قائلًا: «إن أفكاره من شأنها أن تعرض الأمن القومى الأمريكى للخطر. لكن كأنه لم يقل شيئًا. ففى عام 2008 سئم الشعب الأمريكى من الحربين الرئيستين فى العراق وأفغانستان، واختار المرشح الذى يعد بإنهاء إحداهما على الأقل، واختار أوباما، ولم تنتهِ الحرب الأمريكية فى أفغانستان إلا فى عام 2021 عندما سحب بايدن جميع القوات.
هناك رابط مباشر بين الأولوية القصوى للشعب الأمريكى والتى تتمثل فى تقوية الاقتصاد، وبين حق الشعب الفلسطينى فى الوجود. ومن بين الحجج الأكثر إقناعًا التى قد تحرك الناخبة والناخب الأمريكييْن أن يدركا كم تنفق الولايات المتحدة سنويا لتسليح إسرائيل من ضرائبهم، فى الحقيقة مليارات الدولارات، ومنذ تأسيسها تلقت إسرائيل أكثر من 300 مليار دولار من المساعدات من أموال الضرائب الأمريكية.
فى العام الماضى فقط أنفقت الولايات المتحدة من أموال الضرائب على إسرائيل 12.5 مليار دولار، هذا المبلغ أكثر مما أنفقته لتمويل وكالة فيدرالية بالغة الأهمية مثل وكالة حماية البيئة، والتى تم خفض ميزانيتها، البالغة 9.2 مليار دولار للسنة المالية 2024 بنحو مليار دولار عن العام السابق. وفى العام الماضى وحده، أُنفق على تسليح الحرب فى غزة من أموال الضرائب أكثر من العجز السنوى فى تمويل منح بيل (يساعد برنامج بيل الطلاب ذوى الدخل المنخفض على تمويل تعليمهم).
فى كل عام، يستخدم الحزب الجمهورى المخاوف المتعلقة بالميزانية لتبرير خفض الإنفاق على البرامج الاجتماعية. لكن بوسع الحزب الديمقراطى أن يخفض التمويل المخصص لإسرائيل لتغطية تكاليف البرامج التى يُقال إن الحكومة الفيدرالية لا تستطيع تحملها.
باختصار، لا يجوز السماح باستمرار معاناة الشعب الفلسطينى. وإذا كان إجراء مقارنات ساذجة وغير إنسانية بالمرة، كحساب تكلفة تمويل الولايات المتحدة لإسرائيل عسكريًا، وماذا لو وجهت هذه التكلفة لتمويل الاحتياجات الأمريكية، إذا ساعدت مقارنة كهذه على إيقاف الحرب فى النهاية، فمرحبًا بذلك.
فى كثير من الأحيان، تساءل السيناتور، بيرنى ساندرز، عن حجم الميزانيات العسكرية مقارنة بالإنفاق الاجتماعى، حيث قال فى أبريل 2024: «إن 95 مليار دولار من الإنفاق العسكرى هو مبلغ كبير من المال، خاصة فى وقت لا يستطيع فيه العديد من الأمريكيين تحمل تكاليف إيجارهم أو سداد أقساط الرهن العقارى، أو دفع فواتيرهم، أو تحمل تكاليف الرعاية الصحية، ويعانون من ديون الطلاب أو العديد من الاحتياجات الأخرى».
صحيح تمكن الساسة فى أمريكا من تقويض هذا المنطق من خلال الترويج لمفاهيم غامضة حول «الأمن القومى»، لكن هذا العذر لن يجدى نفعًا مع الحرب الحالية. لتقلق إسرائيل بشأن أمنها القومى، وليقلق الشعب الأمريكى بشأن تمويل احتياجاته. ولن تركز هاريس على هذا الأمر كقضية انتخابية فحسب، بل قد تستخدمها كغطاء سياسى للقيام بالشىء الصحيح من الناحية الأخلاقية.
إن مثل هذا النهج قد يكون له صدى فى عام الانتخابات، وهذا أفضل من امتناع الناخبات والناخبين الأمريكيين عن التصويت بسبب حرب غزة، خاصة إذا كانت المرشحة الديمقراطية الليبرالية تنافس مرشحًا مستبدًا فاشيًا.
موقع Eurasia Review
ترجمة: ياسمين عبداللطيف