بعد 11 سبتمبر.. لم تأخذ أمريكا قرارا صائبا فى أى شىء
العالم يفكر
آخر تحديث:
السبت 11 سبتمبر 2021 - 8:25 م
بتوقيت القاهرة
نشر موقع ذا اتلانتيك مقالا للكاتب جاريت جراف رأى فيه أن الحملة التى شنتها أمريكا بعد 11 سبتمبر لتخليص العالم من الشرور أدى إلى نتائج مأساوية لها فى الداخل والخارج.. نعرض منه ما يلى.
فى يوم الجمعة بعد 11 سبتمبر، عندما زار الرئيس جورج دبليو بوش موقع الهجوم على البرجين، حاول الرئيس التحدث إلى عمال الإنقاذ من خلال بوق، وعندما قالو له إنهم لا يستطيعون سماعه، رد قائلا: «أنا أستطيع سماعكم، والعالم كله يسمعكم». وفى وقت لاحق، حدد الرئيس مسئولية الولايات المتحدة قائلا «مسئوليتنا تجاه التاريخ واضحة: الرد على هذه الهجمات وتخليص العالم من الشر».
ظهر نائب الرئيس ديك تشينى فى برنامج Meet the Press على قناة NBC بعد يومين، وقدم وعدًا انتقاميًا. قال للمضيف، تيم روسيرت أن الولايات المتحدة سيكون علينا العمل فى الجانب المظلم، وقضاء بعض الوقت فى الظل فى عالم الاستخبارات، والقيام بالكثير من الأعمال بهدوء، دون نقاش، باستخدام المصادر والأساليب المتاحة لوكالات استخباراتنا. وأضاف: «هذا هو العالم الذى يعمل فيه هؤلاء الأشخاص، ولذا سيكون من المهم استخدام أى وسيلة من وسائلنا». جاء تعليق تشينى فى ذلك الصباح ليحدد رد الولايات المتحدة على الهجمات الإرهابية عام 2001 على مدى عقدين، حيث استخدمت الولايات المتحدة «جانبها المظلم» لمحاربة ما أطلق عليه «الحرب العالمية على الإرهاب».
أصبحت أحداث 11 سبتمبر 2001 هى المفصل الذى أعاد كتابة تاريخ أمريكا الحديث، وتحالفاتها العالمية، وتنظيم الحكومة، وأحدث تغييرات فى الحياة اليومية حيث انتشرت نقاط التفتيش الأمنية داخل المبانى والحواجز. فى الذكرى العشرين من أحداث 11 سبتمبر، نصل إلى استنتاج حزين وهو أن الولايات المتحدة ــ كحكومة وشعب ــ أخطأت فى استجابتها سواء فيما يتعلق بالأمور الكبرى أو الصغرى. أسفرت الحرب العالمية على الإرهاب عن انتصارين حاسمين: لم تُعِد القاعدة هجماتها على أمريكا، وتم قتل بن لادن زعيم التنظيم. ولكن فى الأخير أضعفت الحرب على الإرهاب الأمة الأمريكية، وتركتهم أكثر خوفا وأقل حرية وأكثر عزلة عن العالم. أصبح اليوم الذى خلق فى البداية إحساسًا لا مثيل له بالوحدة بين الأمريكيين خلفية للاستقطاب السياسى الآخذ فى الاتساع. معرفة كيف ومتى أخطأنا أمر سهل. الأمر الأصعب بكثير على الفهم هو كيف يمكننا تصحيح الأمور.
•••
بعد انهيار مبنى التجارة والهجمات اللاحقة على البنتاجون وفى الحقول خارج شانكسفيل، بنسلفانيا، أصيبت الحكومة الأمريكية بالذعر وانتشر الخوف. حذر الخبراء من احتمال حدوث موجة ثانية من الهجمات تشنها الخلايا النائمة للقاعدة فى أمريكا. فى غضون أسابيع، بدأت مظاريف غامضة بها مسحوق الجمرة الخبيثة تتسبب فى مرض وقتل الناس فى فلوريدا ونيويورك وواشنطن وتم أغلقت بعض مبانى مكاتب الكونجرس بالكامل.
بدا العالم فجأة مخيفًا للمواطنين العاديين. وتضررت الاستخبارات بشدة، ووضح ضعف عمليات الاستخبارات فى توفير المعلومات الاستخبارية الدقيقة التى يعتمد عليها قادة أمريكا فى اتخاذ القرار. وبدلا من الاعتراف بأن مجموعة متطرفة ذات عضوية محددة قد استغلت عيوبًا يمكن إصلاحها فى نظام الأمن الأمريكى، وجهت إدارة بوش الأمة تجاه سعى غامض وكارثى لتخليص العالم من الرعب والشر. فى ذلك الوقت، أشار بعض المعلقين إلى خطر الميل إلى مثل هذه المفاهيم الغامضة، ولكن بدا أن الجمهور الأمريكى يتوق إلى استجابة جريئة مشبعة.
لقد كشف الانهيار عن فجوة فى فهم الأمريكيين لعالمنا، وهى فجوة أصبح فيها أى شيء ــ جنون العظمة والنزعة الدولية الليبرالية والنزعة العسكرية الانتقامية ومهمة إضفاء الطابع الديمقراطى على الشرق الأوسط ــ شرعى باسم تحقيق الأمن الوطنى. ما نتج عنه سلسلة طويلة من الخيارات المأساوية.
•••
قبل 11 سبتمبر، كان لدى الولايات المتحدة دليل مدروس ودستورى ومثبت لاستهداف الإرهابيين: تم القبض عليهم فى أى مكان فى العالم ومحاكمتهم فى المحاكم الفيدرالية العادية، وفى حالة إدانتهم، يتم إرسالهم إلى سجن فيدرالى. على سبيل المثال العقل المدبر لتفجير مركز التجارة العالمى عام 1993؟ اعتقل فى باكستان. كان من الممكن مطاردة المتآمرين والمتواطئين فى الهجمات الجديدة بالمثل، فى المحاكم المدنية التى حمت الحريات وأوضحت للعالم كيف أن أسوأ الشرور قوبلت بعدالة منطقية قانونية. بدلا من ذلك، فى 13 نوفمبر 2001، أعلن الرئيس بوش أن أولئك الذين تم اعتقالهم فى الحرب على الإرهاب لن يعاملوا كمجرمين، أو حتى كأسرى حرب، ولكن بصفتهم «مقاتلين أعداء».
فى حين حذر المدافعون عن الحريات المدنية خطورة هذا على المستقبل، بدا أن الأمريكيين لا يتبنون النهج الجديد فحسب، بل أيضًا أيدوا رد الفعل الذى لا يخضع لأى قيود. انتجت أعمال درامية ظهر فيها الأبطال يواجهون الشر بالشر، وأن تعذيب المشتبه بهم يؤدى إلى نتائج وإنقاذ الأرواح. حقق برنامج فوكس نجاحًا كبيرًا، حيث كان العنف المصور والتعذيب نقطة جذب رئيسية للجماهير.
اعتمدت وكالة المخابرات المركزية على هذا النهج، أنشأت الوكالة «مواقع سوداء» حول العالم لاحتجاز الإرهابيين المشتبه بهم وإجبارهم على الحديث. أنشأ وزير الدفاع دونالد رامسفيلد سجنًا فى جوانتانامو واحتفل به علنًا، بحجة أن قطعة الأرض الكوبية كانت بعيدة عن متناول المحاكم الأمريكية، وأوامر الإحضار، والإجراءات القانونية. استعانت وكالة التجسس بعلماء نفس خارجيين صمموا أساليب وحشية وغير سليمة علميًا ــ بما فى ذلك الضرب، والتعرى القسرى، والتلاعب بالنظام الغذائى، والحرمان الحسى (ووقعت انتهاكات مماثلة فى سجن أبو غريب فى العراق) ــ وهو ما أطلقت عليه الولايات المتحدة «الاستجواب المعزز».. ولكنه فى الحقيقة تعذيب. بعد عشرين عامًا من أحداث الحادى عشر من سبتمبر، لم يوضح ما إذا نتج عن التعذيب معلومة استخباراتية واحدة مهمة.
وصمة العار الأخلاقية من هذه الحقبة كانت واضحة جدًا ولم يتم مساءلة أى مسئول كبير، سواء فى الجيش أو وكالة المخابرات المركزية، عن الوفيات والإهانات والانتهاكات التى ارتكبت باسم الولايات المتحدة.
•••
فى الداخل، تم إعادة تنظيم الحكومة بطريقة خاطئة. فى غضون ساعات بعد هجمات الحادى عشر من سبتمبر، بدأت إخفاقات الحكومة فى الظهور. لقد أغفلت كل من وكالة المخابرات المركزية ووكالة الأمن القومى ومكتب التحقيقات الفيدرالى أجزاء من المؤامرة. أدى الجمود البيروقراطى والغيرة بين الوكالات إلى منع تبادل المعلومات الاستخباراتية التى ربما تكون قد عطلت الهجمات التى تلوح فى الأفق. بعد الكثير من التردد، تبنت إدارة بوش إعادة تنظيم شاملة للحكومة الفيدرالية حول «الأمن الداخلى»، وهى عبارة لم يكن لها وجود يذكر فى الحياة الأمريكية قبل الهجمات.
أثبتت بعض جوانب إعادة التنظيم نجاحها. لكن التغيير الأكبر، وهو إنشاء وزارة الأمن الداخلى، وهى أكبر عملية إعادة تنظيم حكومية منذ الحرب العالمية الثانية، أثبتت فشلها. بالإضافة إلى هيكلها البيروقراطى وهيكلها التنظيمى المعيب، فإن وزارة الأمن الوطنى، على عكس وزارة العدل، ليس لديها ثقافة مؤسسية متجذرة فى احترام سيادة القانون. تم إنشاء الوزارة الجديدة لتنظر إلى كل شيء من عدسة «هل يمكن أن يؤذينا؟». أصبحت هذه العقلية المدمرة واضحة بشكل كبير فى قضايا الهجرة ومراقبة الحدود، حيث تحولت ثقافة الترحيب بالمواطنين والعائلات الجديدة إلى ثقافة الاستجواب والشك ــ خاصة إذا كانوا يمتلكون لون بشرة داكن.
•••
فى الخارج، أهدرنا النوايا الحسنة للعالم. كانت النقطة المضيئة النادرة فى الفترة التى أعقبت أحداث 11 سبتمبر هى أن الناس فى جميع أنحاء العالم ردوا على هجوم علينا كما لو كان هجومًا عليهم أيضًا. لكن كل خطوة تقريبًا اتبعتها الولايات المتحدة فى الحرب على الإرهاب من تلك النقطة فصاعدًا أخسرتنا أصدقاء. بدت أفغانستان، فى البداية، على وشك أن تحقق نصرًا رائعًا. وفى غضون أسابيع من الغزو، فى خريف عام 2001، كانت الولايات المتحدة تكسب حربًا محدودة ومركزة، لكن إدارة بوش تحولت إلى غزو العراق، وبدأت حربًا من خلال نفس المعلومات الاستخباراتية السيئة والترويج للخوف. أدت كارثة العراق إلى الهزيمة فى أفغانستان أيضًا، على الرغم من إنفاق تريليونات الدولارات وإراقة الكثير من الدماء فى كلا البلدين.
الرئيس بوش عمل بجد فى البداية لضمان ألا يُنظر إلى القتال ضد القاعدة على أنه حرب على الإسلام. فى حين أن الحرب على الإرهاب منعت أى جماعة إسلامية متطرفة على تنفيذ هجوم كبير مثل 11 سبتمبر، فإن العقلية التى خلقتها سممت أمريكا وسياساتها. كثرت جرائم الكراهية ضد المسلمين وانتشرت التدريبات المعادية للإسلام داخل مكتب التحقيقات الفيدرالى والجيش. ساعدت شيطنة المسلمين فى ظهور «البربريستية» التى اعتنقها دونالد ترامب ليشق طريقه إلى قلوب وعقول قاعدة الحزب الجمهورى، والفوز بترشيح الحزب الجمهورى للرئاسة من خلال إثارة الرعب من المهاجرين وداعش والإرهاب.
فى هذه الأثناء، فإن التركيز الحصرى للحرب العظمى على الإرهاب على التطرف الإسلامى أدى إلى إهمال التهديدات الأخرى. فى السنوات العشرين منذ الحادى عشر من سبتمبر حدث العديد من عمليات القتل الجماعى لم تُرتكب أى منها على أيدى المتطرفين الإسلاميين الذين أنفق الكثير من الوقت والمال لمكافحتهم. أدى الضغط السياسى إلى منع مسئولى الأمن القومى من إعادة تركيز الانتباه والموارد على التهديد المتزايد من القوميين البيض والميليشيات المسلحة والجماعات الأخرى. بعد أن أفسدت الخيارات التى اتخذناها بعد الحادى عشر من سبتمبر وطنيتنا وسياستنا، أصبحنا دولة خائفة ومنقسمة.
إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى هنا