ثقافة الاستمتاع


رضوى أسامة

آخر تحديث: الثلاثاء 11 أكتوبر 2011 - 9:40 ص بتوقيت القاهرة

وأنا أفكر فى موضوع لمقالة هذا الأسبوع تذكرت حوارا دار بينى وإحدى صديقاتى التى شكت لى من قلة الموارد المالية والشعور بالملل الزوجى رغم عدم مرور أكثر من شهرين على حياتهما المشتركة، كانت تفكر أنه لولا قلة الموارد المالية لكانا أكثر استمتاعا، وكنت أفكر أنهما لو كانا أكثر تفاهما وأكثر مقدرة على الاستمتاع لكانا أكثر سعادة.

 

للأسف لا تلقى ثقافة الاستمتاع قبولا كبيرا فى مجتمعاتنا، كما لا تلقى ثقافة الإنجاز القبول نفسه. فعلى الرغم من أن الكثيرين يضيعون الوقت بلا فائدة، إلا أن ذلك أيضا لا يعد استمتاعا، فالاستمتاع المقصود هنا والذى أثبتت الدراسات أنه يقى من الاكتئاب والكثير من الأمراض العضوية هو أن تستيقظ وأنت فى نيتك الاستمتاع الحقيقى بكل ما تقوم به.. مثلا أنا أحب مشاهدة الأفلام جدا، وكثيرا ما أشاهد فيلما لطيفا، لكن قليلا ما أقرر أننى سأجلس لأستمتع بفيلم، الوضع هنا يختلف.. فى حالة قرار الاستمتاع، أدخل فى حالة مزاجية خاصة مليئة بالاسترخاء وأجلس لأشاهد فيلما أختاره بعناية شديدة وأنا فى نيتى الاستمتاع، الدخول فى تلك الحالة الهادئة والتلصص على لحظات المتعة الخاصة بك وتأملها للحظات يمنحك سكينة مضاعفة ويشعرك باللذة.

 

كثيرا ما ألجأ لتكنيك الاستمتاع المقصود بعد يوم عمل شاق فأشعر بالهدوء والاسترخاء ويختفى التعب الجسمانى نهائيا. وكثيرا أيضا ما ألجأ له فى يوم الإجازة أو لأيام متتالية، ففى إجازة العيد الأخيرة قررت أن أحتفى بالاستمتاع على جميع المستويات: حضرت لنفسى طعاما أحبه وشاهدت أفلاما جيدة ظننت أننى سأحبها وقرأت رواية ممتعة حقا وكتبت فصلا فى روايتى الجديدة. كل ذلك منحنى مزاجا رائقا وجعلنى أشعر أننى أستحق كل هذه المتعة.

 

بعد وقت من تعلم مهارة الاستمتاع يمكنك أن تفعل النشاط نفسه وأنت تقصد إمتاع نفسك، فالبيتزا من أكثر الأكلات المفضلة لدى وكثيرا ما أتناولها سواء مع الأصدقاء أو بمفردى، لكن قليلا جدا ما أقرر أن على الاستمتاع بالبيتزا فأشعر أن كل قضمة لها مذاق خاص وساحر.

 

المرضى النفسيون بشكل خاص يفقدون القدرة على الاستمتاع، لكننى أرى أيضا أن فقداننا للقدرة على الاستمتاع قد يساعد على تحويلنا لمرضى نفسيين. بالأمس تلقيت مكالمة من فتاة لا أعرفها كانت تريد استشارتى حول نيتها فى الزواج من رجل له تاريخ وراثى طويل مع المرض النفسى، فأمه وأخته وجدته وعمته مرضى نفسيون، وهى تخاف من الزواج منه رغم حبها له. وكان سؤالها: هل بالضرورة سيصاب الزوج فى المستقبل بالمرض النفسى؟

 

حدثتها عن المتانة النفسية أو ما يسمى بالتماسك الداخلى، وكيف أنها بمثابة متغير يعدل من احتمالية الإصابة بالاضطراب النفسى، ويعنى أننا نمتلك العديد من الصفات التى تجعلنا نقاوم المرض والضغوط. وثقافة الاستمتاع واحدة من مكونات المتانة النفسية.

 

يربط الكثيرون بين ثقافة الاستمتاع والقدرات المالية، ويتحدثون عن وهم أننا لو امتلكنا المزيد من المال لكنا أكثر استمتاعا، وهذا ليس صحيحا بالمرة، بدليل أن العديد من الأغنياء لا يمتلكون هذه المهارة. مهما زادت الأموال التى فى حوزتك لن تزيد قدرتك على الاستمتاع، لكن كلما زادت قدرتك على الاستمتاع المقصود وكنت أكثر طاقة وايجابية فى العمل ستحصل على أموال أكثر.

 

كما تحدثت من قبل عن نسج الفرح وقلت إنه يختلف من فرد لآخر وأن علينا أن نكتشف الأشياء التى تفرحنا، أيضا علينا أن نكتشف الأشياء التى نستمتع بها وننوعها، ربما جلسة على البحر هى الأكثر امتاعا، وقد تكون ممارسة نشاط محبب مادة للاستمتاع الشديد.

 

وأنت بصدد الاستمتاع يجب أن تقصد أن تنحى كل الضغوط والمشاكل جانبا لوقت، يمكنك الاستئذان من تلك الضغوط قليلا، ونقول: «نعرف أننا سنتخلص منك بعض الوقت، نحن الآن بصدد الاستمتاع فلتتركينى قليلا». لو استطعنا أن نتعلم هذه المهارة وننفذها لوقين أنفسنا الكثير من الأمراض النفسية والعضوية ولزاد تماسكنا الداخلى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved