أسئلة التاريخ الصعبة
سامح فوزي
آخر تحديث:
الثلاثاء 11 أكتوبر 2016 - 9:15 م
بتوقيت القاهرة
منذ أيام احتفلت مصر بذكرى انتصار السادس من أكتوبر، وجاء معها حديث حول تجاهل الرئيس الأسبق حسنى مبارك، الذى يشار إليه دائما بأنه صاحب الضربة الجوية، واعتبر البعض أن ذلك تزييف للتاريخ، وتسييس له. ورد آخرون بأن مبارك نفسه هو من تجاهل فى فترة حكمه كل قيادات حرب أكتوبر، وهمش من لهم أدوار مهمة بينما ركز فقط على «الضربة الجوية»، وكأن حرب أكتوبر، هى ما قام به مبارك وحده، ولفترات طويلة تم تهميش دور الرئيس السادات نفسه، صاحب قرار الحرب، والذى تحمل مسئوليات جسيمة خلال تلك الفترة، وبعض قادة الحرب الآخرين الذين روى بعض الزملاء الإعلاميين شهادات عن وجود توجيهات بعدم ظهورهم إبان عهد مبارك فى وسائل الإعلام الرسمية.
الأزمة الحقيقية أن النخب السياسية والثقافية تتعامل مع التاريخ بهوى سياسى، ولا نقيم أنفسنا تقييما موضوعيا، يتيح لنا رؤية الماضى بعيون صافية دون تأثيرات ذاتية.
عشنا لسنوات ندرس أن العصر الملكى فى مصر كله فساد، فى حين أن الدراسات الجادة تشير إلى وجود أخطاء، ووجود أيضا مظاهر جيدة منها الحالة السياسية، والحراك الثقافى، ووجود مجتمع مدنى حى نابض، ومبادرات مهمة عبرت عن حيوية مجتمع.
النظرة إلى الرئيس جمال عبدالناصر أيضا بها الكثير من الاختلاط، ما بين نظرة سلبية منبعها تجفيف المنابع السياسية، وتأميم الاقتصاد، وضرب الرأسمالية المحلية، وبين نظرة أخرى ترى دوره فى توسيع نطاق الطبقة الوسطى، والحفاظ على مدنية المجتمع، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
النظرة إلى الرئيس السادات أكثر اختلاطا، فهو بالتأكيد صاحب قرار الحرب، وله دور فى تحقيق مساحة من التعددية، ودولة القانون، كما يروى معارضوه أنفسهم فى الجلسات الخاصة، لكن موقف البعض تجاهه نابع من رفض مبادرة السلام مع إسرائيل، واحيائه للتيار الإسلامى على تعدد تشكيلاته وفصائله، وهو ما أدى إلى تديين المجتمع، وبذر بذور الطائفية.
النظرة إلى الرئيس مبارك تتراوح ما بين «آسفين يا ريس»، هؤلاء يرونه رجلا وطنيا، خدم البلد، وحافظ عليها، ودفع بعجلة الاقتصاد، وآخرين يرونه على العكس، أسهم بإدارته البيروقراطية فى تأخر المجتمع، وانتشر فى عهده الفساد على مصراعيه، وتبنى فى أواخر سنين حكمه مشروع التوريث، مما دفع الجماهير للنزول فى 25 يناير، وهو الحدث الجلل الذى يعتبره مناصروه مجرد مؤامرة.
والشىء بالشىء يذكر أن الرئيس الأسبق محمد مرسى يرى أنصاره ومؤيدوه أنه كان يريد بناء الدولة، وتحقيق الحريات والتنمية، لكنه واجه الدولة «العميقة» ــ حسب الوصف السائد ــ التى انتصرت فى النهاية بعد أن نزلت الجماهير إلى الشارع لإنهاء حكم الإخوان المسلمين ــ الذى يرى معارضوه ــ أنه اتسم بنزعة اقصائية.
سنظل لفترة نغلب «المزاج السياسى» فى نظرتنا للماضى، ونحن على استعداد لقلب وقائع، أو تلوينها، أو التضخيم من بعضها على حساب البعض الآخر طالما أن ذلك فى خدمة مصالحنا السياسية، ونظرتنا الضيقة. الناصريون، والساداتيون، والمباركيون، والإخوان، كلهم يبدأون بالألف واللام وينتهون بحرف «النون»، رغم البون الشاسع فيما بينهم فى الآراء، التى لا تنطوى على تقييم موضوعى، بقدر ما هى نظرة ذاتية بها انطباعية، وآراء شخصية، ومصالح خاصة.
القراءة الموضوعية للماضى لم تبدأ.