ثقافة طاردة للشباب
صحافة عربية
آخر تحديث:
الأحد 11 أكتوبر 2020 - 8:25 م
بتوقيت القاهرة
نشرت جريدة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتبة آمال موسى... جاء فيه ما يلى:
هناك مشكلٌ حقيقىٌ فى دور الشباب اليوم فى مجتمعاتنا. أنفقنا الكثير من الوقت والجهد والتفكير فى الحديث عن ضرر المرأة من الثقافة الذكورية الأبوية وتغافلنا بحكم التركيز على مسألة المرأة عن قضية الشباب الذى يعانى من ثقل الثقافة الأبوية وكيف أنه اليوم الضحية رقم واحد.
هذا التغافل والتعامل القائم على الإهمال والتجاهل فى خصوص فئة الشباب أديا إلى حزمة من المشكلات والأزمات سببها بالأساس إنكار حق الشباب ودورهم. فالبطالة أكثر من يعانى منها هم الشباب. والتطرف يتغذى من سياساتنا التنموية التى أخطأت الربط الذكى والمتين بين المشاريع وتوقعات شبابنا وحاجياتهم.
المفارقة فيما نمارسه من إهمال طويل الزمن بفئة الشباب أن المجتمعات العربية والإسلامية هى مجتمعات شابة ويمثل الشباب فيها ثلث الحجم الديمغرافى وأكثر. وتعدُ هذه الخاصية من نقاط قوة أى مجتمع يعتمل فيه الحراك وفق أسس إيجابية وتقدمية وبناءة. بلغة أخرى حال المجتمعات الشابة هو أنها تمتلك ثروة بشرية من السواعد والطاقة والحماسة ولديها المحرك الاجتماعى البشرى القادر على التغيير والإنجاز خلافا للمجتمعات الموصوفة بالتهرم التى تعرف مشاكل حقيقية بسبب ضعف الحجم الديمغرافى لفئة الأطفال والشباب معا، مما يطرح تساؤلات عميقة حول مستقبلها.
ولكن نقطة القوة فى مجتمعاتنا المتمثلة فى الحجم الديمغرافى الاعتبارى شبابيا تتحول فى الواقع إلى مصدر أزمات وارتفاع فى نسب البطالة ومعدلات الفقر والاغتراب فى الدين وعنه. ومن ثمة، فنحن هنا نصل إلى مربط المشكل والإشكال المتمثل فى الخلل الذى صاحب فكر التنمية ومشاريعها فى بلداننا. هذا مع العلم وهنا مظهر آخر من مظاهر المفارقة والحيرة أنَ الشباب العربى كان فى نهاية القرن التاسع عشر بداية القرن العشرين فاعلا ومشاركا فى تحرير البلدان العربى المستعمرة آنذاك، حيث لعب الشباب دورا كبيرا فى حركات التحرير العربى وكانوا فاعلين وصناع استقلال بشكل مميز. وأيضا فى بدايات تأسيس دول الاستقلالات فى مصر وتونس والجزائر والمغرب وسوريا... اضطلع الشباب بالقيادة وبمعركة التأسيس والبناء، وخاضت كل النخب الشبابية غمار الحكم بشجاعة ووطنية عالية، وكان التركيز على التعليم والصحة وإخراج الإنسان العربى من الجهل والتخلف. بمعنى آخر فقد كان الشباب فى الدول العربية الحديثة الاستقلال آنذاك فاعلين ومنتجين ومؤسسين. وكانت بنية التنظيمات الفكرية والأيديولوجية يهيمن عليها الشباب. فمثلا فى تونس باستثناء بورقيبة الذى كان فى الخمسينات من عمره إبان استقلال تونس، فإن الفريق الذى أحاطه به ومنحه الحقائب الوزارية كان فريقا من الشباب من ذلك أن وزير العدل الذى اهتم بموضوع إصدار مجلة الأحوال الشخصية فى أوت 1956 وهو الوزير أحمد المستيرى كان عمره لا يتجاوز الـ25 سنة.
الذى حصل هو أن النخب الشبابية المؤسسة للدول العربية الوطنية احتكرت الفعل الاجتماعى، وتمسَكت بالحكم والسلطة والإنجاز، ولم تسمح للشباب بأن يتداولوا على تنمية البلاد من موقع القرار والتفكير.
بل إنَ الأخطر من ذلك هو أن الشباب كان شبه غائب عن مخططات التنمية، حيث إن هذه المخططات فى قطيعة مع تطلعاته وقدراته وخصائصه فى مجال الخبرات والطموح، ولعل الأعداد الكبيرة من خريجى الجامعات فى بلداننا الذين لم تستطع أسواق الشغل استيعابهم دليل على أن سوق الشغل مهيكلة ومخطط لها دون أى اعتبار لخصائص الشباب وحاجياتهم.
والأكثر خطورة حسب اعتقادنا هو أن هذه القطيعة وهذا الإهمال لفئة حيوية سيكون مستقبل أوطاننا فى أيديها قد أنتجا حالة من الإحباط لدى الشباب العربى، وجعله غير مندمج اجتماعيا، ويبحث عن الاعتراف خارج منوال تنمية لم يعترف به، وأسواق شغل اكتشف عند التخرج أن لا مكان له فيها بالشكل الذى يناسب حجمه وأهميته الديمغرافية والاجتماعية.
حصل تحولٌ مفاجئ من مرحلة كان فيها الشباب فى الصف الأول فى مرحلة الاستعمار وتأسيس دول الحديثة الاستقلال فى الخمسينات والستينات من القرن الماضى إلى مرحلة تهميش الشباب وتغيبه بشكل لافت.
ولقد بدأت تظهر نتائج هذا التهميش منذ بداية التسعينات من القرن الماضى، إذ إن الشبكات الجهادية التكفيرية استثمرت فى الخزان الديمغرافى الشبابى المحبط، ووظفت ما يعانيه من انشقاق اجتماعى وإكراهات اقتصادية فى غسل دماغه وتجنيده للموت والقتل والانتحار، من دون أن ننسى مدلولات ظاهرة الهجرة السرية التى نهشت الشباب المغاربى بشكل خاص. ورغم كل المؤشرات التى أظهرت تداعيات إهمال فئة الشباب وإبعادها عن مواقع القرار والفعل والمسئولية، فإنَ هذه النظرة غير المهتمة بالشباب لا تزال سائدة ومستمرة، وكأن كل الأحداث التى عشناها لم نفك شفراتها المرسلة من الشباب. لننظر إلى الأحزاب فى العالم العربى سنجد أن بنية التنظيمات أبوية وهى المهيمنة، فى حين أن الشباب لا يفكر فيه إلا كقاعدة انتخابية، ولم يتم الاعتبار من ظاهرة العزوف ورفض الاقتصار على دور الخزان الانتخابى.
وحتى فى الثقافة: هناك مبدعون من شتى الحقول الفنية والأدبية لا يعترف بالواحد منهم إلا إذا جاوز النصف قرن، والحال أن جيل نزار قبانى ومحمود درويش وصلاح عبدالصبور... هؤلاء وغيرهم حققوا مجدهم الإبداعى وهم فى عز الشباب.
السؤال هو: لماذا نتعامل مع الشباب من وجهة نظر تقزيمية تفتقد إلى الرهانية؟
نطرح هذه الأسئلة لأنه لا انفراج لأزماتنا من دون إيلاء الشباب كل ما منحته لهم الطبيعة والعمر والتاريخ والثقافة العالمية من طاقة وقدرة على البناء والتجربة. وكم نحن فى حاجة إلى شبابنا فى هذه اللحظة التى نعانى فيها نحن الكهول والكبار من الوهن واليأس.