الإنجازات العسكرية للجيش الإسرائيلى فى غزة فى خطر
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الجمعة 11 أكتوبر 2024 - 7:40 م
بتوقيت القاهرة
من الطبيعى أن يتركز الانتباه العام اليوم على المعركة فى الشمال والرد الإسرائيلى على الهجوم الإيرانى. لكن فى ظل هذا كله، تجرى فى غزة خطوة ستكون لها تداعيات لا تقل دراماتيكية عن غيرها. ومن دون قرار، ومن دون نيات معلنة من جانب المنفّذين، تخطو إسرائيل خطوة كبيرة على طريق السيطرة المدنية على قطاع غزة، مع كل ما يستتبع ذلك.
مؤخرا، غادرت الفرقة 162 محور فيلادلفيا، وعادت إلى شمال القطاع، من أجل «إعادة السيطرة على المنطقة»، بحسب تقارير إعلامية. ركّز جزء من الردود على الخطوة على أنه قبل وقت قليل، كان محور الحدود بين قطاع غزة وسيناء حجر الأساس لوجودنا، ولن ننسحب منه على الإطلاق. لكن السؤال المهم ليس من أين انسحبت فرقة النخبة، بل إلى أين تتوجه، وما هو الهدف؟
يجب العودة إلى شمال القطاع من أجل سبب بسيط هو عدم وجود أى طرف، وبالتأكيد طرف إسرائيلى، يريد اليوم إيجاد بديل من قوة «حماس» وسط السكان فى غزة، هذه القوة التى لم تتأثر جرّاء تفكيك أُطرها القيادية واغتيال كبار قادتها. الجنرال ديفيد بترايوس، الذى كان قائدا للقوات الأمريكية فى العراق، وصف ذلك بعبارات بسيطة قالها فى إسرائيل: «عندما تواجه مثل هذا العدو، عليك أن تبنى خلال تدميرك».
لكن إسرائيل لا تريد البناء، لأن هذا يتطلب العمل مع ائتلاف من الأطراف الإقليمية التى تصرّ على وجود للسلطة الفلسطينية، ولو بصورة رمزية. وعلى الرغم من أن التدمير من دون بناء معناه العودة، المرة تلو المرة، إلى الأماكن التى سبق أن قمنا باحتلالها و«تطهيرها» ونزع السلاح منها، وأنه وسط الفراغ الناتج من الدمار ستبرز «حماس» مجددا وما هو أسوأ منها.
يوجد فى إسرائيل مَن يريد البناء. بتسلئيل سموتريتش يريد أن نبنى فى غزة مستوطنات إسرائيلية، وتفكيك السلطة الفلسطينية، وإقامة دولة يهودية مكانها، ضمن إطار «خطة الحسم» التى نشرها قبل عدة سنوات. على الأقل، يمكن القول إن سموتريتش لديه عقيدة منهجية، وهو لا يخفيها. يدرك رئيس الحكومة نتنياهو الضرر الهائل الناتج من تحقيق خطة سموتريتش، لكنه يمضى نحوها لأسباب تتعلق ببقائه الشخصى والسياسى.
إن مسئولية المستوى المهنى، وزير الدفاع وقادة الجيش، عمّا سيحدث لا تقل خطورة: كثيرون بينهم (جالانت قال هذا بصوت واضح، بينما كان صوت قادة الجيش أقل وضوحا) مدركون أن السيطرة الإسرائيلية على غزة رسميا ستُلحق ضررا جسيما بالجيش، وتحوّل إسرائيل إلى دولة منبوذة. هذا هو رأيى، وفى المقابل، هذا سيقرّب تحقيق أفكار سموتريتش.
إعادة الفرقة 162 إلى جباليا ترافقت مع دعوة سكان شمال القطاع إلى إخلاء منازلهم والتوجه جنوبا، عبر محور نتساريم. وفى الواقع، هذا تحقيق لجزء كبير من الفكرة المشوهة التى يُطلق عليها اسم «خطة الجنرالات» التى يُعَد اللواء فى الاحتياط غيورا أيلاند من أبرز الممثلين لها فى الإعلام، وهو الشخص الذى أعرفه من سنوات وأحترمه.
على ما يبدو، لا توجد نية بشأن تنفيذ الجزء الأكثر إثارةً للقلق، وهو تجويع الناس الذى ظلوا هناك، بافتراض أنهم بصورة أساسية من «حماس». لكن عمليا، سيؤدى نقل سكان شمال القطاع إلى الجنوب، وللمرة الثانية خلال عام، إلى أحد أمرين: إمّا أن الجيش الإسرائيلى هو الذى سيوزع الغذاء والدواء على السكان، أو سيتضورون جوعا. والطريق من هناك إلى الحكم العسكرى كأمر واقع قصيرة، وخصوصا أن هناك نقاشات فى هذا الشأن يُجريها نتنياهو.
على صعيد العملية العسكرية، هذا يعنى أن يتحرك الجنود عمليا فى العمق ووسط سكان غزة الذين يعانون جرّاء اليأس والفقر، وأن يقوموا بتوزيع الغذاء والمياه والدواء. ومعنى ذلك تمركُز للجيش الإسرائيلى هناك، وفى تقدير جالانت، أن القوة المطلوبة من أجل إقامة حُكم عسكرى فى غزة هو 4 فرق.
ومعنى هذا أيضا إنشاء آليات للحكم لا يمكن لأحد أن يحلّ محلها، ولن تقبل أى دولة عربية المشاركة فيها، أمّا قيام "زعامات محلية تحل محل «حماس»، فهو بمثابة تعامٍ عن الواقع. وهذا يعنى أننا فى الطريق نحو احتلال غزة عمليا، الأمر الذى سيشكل حلما بالنسبة إلى سموتريتش، وكابوسا بالنسبة إلى الجيش الإسرائيلى، والاقتصاد الإسرائيلى، ومكانة إسرائيل الدولية، المتدهور بطبيعة الحال. وهذا لن يكون بمثابة «سيطرة على الأرض»، لأن الجنود الذين سينتشرون سيكونون عرضةً للعمليات «الإرهابية» وحرب العصابات، ولا يحتاج الأمر إلى قيادات كتائب، بل يكفى وجود شخصين، أو ثلاثة أشخاص مزودين بسلاح فردى، أو صاروخ مضاد للدروع.
الإنجازات العسكرية فى خطر
يجب أن يكون واضحا أن هذه الخطوة فرضها نتنياهو على الجيش الإسرائيلى. كلّ مَن يعرف طريقة اتخاذ القرارات فى إسرائيل يعلم بأن الأمور لا تسير بهذه الطريقة، لكن يوجد فى القيادة العسكرية مَن يؤيد هذه الخطوة لأسباب أيديولوجية، وانطلاقا من تفكير ضيق الأفق، ومن الإحباط.
قبل ستة أشهر، ادّعت مصادر عسكرية رفيعة المستوى، طلبت عدم الكشف عن هويتها لأسباب مفهومة، أن عدم وجود تحرُّك سياسى يؤدى إلى ضياع الإنجازات العسكرية. ومنذ ذلك الحين، لم تظهر أى خطوة سياسية، ولا تبدو حتى الآن فى الأفق. الجيش الذى يواجه النتائج فى الميدان يطبّق رؤيا تكتيكية تتجاهل، علنا، التداعيات القاسية للعملية على إسرائيل وعليه. والمسئولية الناتجة من ذلك لا يتحملها نتنياهو وحده، بل أيضا الذين ينفّذونها، والذين يعرفون بالتحديد ما سينتج من أفعالهم.
عوفر شيلح
قناة N12
مؤسسة الدراسات الفلسطينية