الحرب المنسية فى السودان!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 11 أكتوبر 2024 - 7:35 م بتوقيت القاهرة

جميع الحروب سيئة وكلفتها الإنسانية والمادية باهظة، لكن أكثرها سوءًا تلك التى تسقط من الأذهان والذاكرة إلى دائرة النسيان، مثل الحرب الضروس التى يشهدها السودان منذ أبريل من العام الماضى.

يعتقد البعض أن السبب الرئيس وراء نسيان هذه الحرب، أو عدم الاهتمام بها بالشكل الكافى دوليا وإقليميا، يرجع إلى انشغال العالم بجرائم الإبادة الجماعية التى يرتكبها العدو الصهيونى ضد الفلسطينيين والعرب منذ عام، وتزايد المخاوف من اتساع رقعتها لتصبح حربا إقليمية شاملة لا تبقى ولا تذر.

ربما يكون لهذا السبب وجاهته ومنطقه، لكنه ليس كافيا لتفسير عدم التدخل الدولى والإقليمى الحاسم والجاد، لوقف دوامة الحرب بين الجيش السودانى وميليشيا الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الشهير بـ«حميدتى»، والتى أدت إلى سقوط أكثر من 14 ألف قتيل، طبقا لتقديرات الأمم المتحدة، أو نحو 40 ألف قتيل وفقا لإحصاءات منظمة أطباء بلا حدود، كما أدت إلى تشريد أكثر من 10.7 مليون سودانى ــ نحو خُمس سكان البلاد ــ فى أسوأ أزمة لاجئين على مستوى العالم، فيما تركت نحو نصف السودانيين فى مواجهة مع شبح المجاعة، بينما فر إلى الخارج نحو 2٫3 مليون لاجئ وفقا لتصريحات رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة فى السودان، محمد رفعت الذى حذر من أن الوضع الإنسانى فى البلاد وصل إلى «نقطة الانهيار».

فى تقديرى أن السبب الأساسى لهذا التناسى أو التجاهل، مرده إلى تبلور ما يشبه اليقين لدى المجتمع الدولى، بأن أزمات هذا البلد العربى أصبحت عصية على الحل، وأن أى محاولة لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء لن يكتب لها النجاح، نظرا لأن أبناءه يفضلون دائما اللجوء إلى السلاح لحل مشاكلهم وخلافاتهم أو طمعا فى السلطة، ويكفى للتدليل على ذلك أن السودان شهد منذ حصوله على الاستقلال فى عام 1956، أكثر من 20 محاولة انقلاب عسكرى، نجح منها 7 محاولات فيما فشل الباقى، كما شهد أكثر من حرب أهلية، أسفرت فى واحدة منها عن انفصال جنوبه ليصبح دولة مستقلة عام 2011، بعد استفتاء شعبى.

ليس هذا فقط، بل إن التدخلات الخارجية السلبية فى المشهد السودانى، ساهمت إلى حد كبير فى تعقيد الأوضاع، وبشكل أصبح ينذر بخطر حقيقى على بقاء الدولة واستقرارها فى المرحلة المقبلة، خصوصا وأن تلك التدخلات دعمت ميليشيات مسلحة تحاول السيطرة على السلطة بأى ثمن، حتى ولو كان ذلك على حساب مصير ووحدة أراضى الدولة السودانية.

بالتأكيد تفتت وانهيار السودان ليس فى مصلحة أى طرف إقليمى أو دولى على الإطلاق، بل سيدفع الجميع ثمنا باهظا للغاية حال حدوث ذلك، لاسيما وأن السودان لديه موقع استراتيجى مهم فى القارة الإفريقية، وأى خلخلة فى استقراره تنعكس سلبيا على دول الجوار، كما أنه يستحوذ على نحو 800 كيلو متر على ساحل البحر الأحمر، وبالتالى فإن استقرار أوضاعه مهم للغاية لحركة التجارة الدولية التى تعبر من هذا الممر البحرى الدولى.

الحل فى السودان يبدأ من ضرورة اقتناع جميع الأفرقاء، بأن  التوصل إلى توافق عبر الحوار الجاد على مائدة التفاوض، هو السبيل الوحيد لبناء السلام الشامل والدائم فى البلاد، والقائم على رؤية سودانية خالصة من دون أى تدخلات خارجية، للحفاظ على وحدة الدولة وسلامة أراضيها.

كذلك يجب على جميع الفرقاء السودانيين نبذ ولفظ الميليشيات المسلحة التى تقوض الاستقرار والأمن، وأن يكون السلاح فقط فى يد الدولة، لأن جميع التجارب السابقة فى مختلف أنحاء العالم، أكدت أن ولاء تلك الميليشيات يكون دائما لمن يدفع ويمول، وليس للوطن الذى تحيا على أرضه، وبالتالى فإن التغاضى عن سلوكها وسلاحها قد يحول السودان إلى ساحة حرب بالوكالة بين الأطراف الخارجية المتصارعة على البلاد.

أخيرا يجب أن يكون هناك مساواة حقيقية فى الحقوق والواجبات بين مختلف مكونات الشعب السودانى، وأن تتسع الدولة للجميع مهما اختلفت عرقياتهم ومذاهبهم وإثنياتهم، وهذا لن يحدث عن طريق الاحتكام للسلاح أو الاستقواء به لفرض رؤى أو أوضاع معينة، ولكن عن طريق الحوار والتفاوض للوصول إلى تفاهم على إقامة نظام ديمقراطى عادل يلبى تطلعات الشعب فى الحرية والعدالة والمساواة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved