حق الترشح يعلو على حق الانتخاب للمصريين بالخارج
إيهاب وهبة
آخر تحديث:
السبت 12 نوفمبر 2011 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
كان على الدولة أن تحسم أمرها فى شأن تصويت المصريين بالخارج فى الانتخابات على أثر حكم محكمة القضاء الإدارى فى هذا الشأن. أمر محمود ولا شك أن يتم تفعيل ممارسة هذا الحق، ويعد خطوة نحو إعادة الأمور إلى نصابها. غير أننى أعتقد أن هذه الخطوة على أهميتها، لا ترقى إلى المستوى المطلوب فى تمثيل المصريين بالخارج التمثيل الصحيح بمجلس الشعب.
وقبل أن أتطرق لشرح الفكرة، من المهم الإشارة إلى ما نص عليه قانون الهجرة ورعاية المصريين فى الخارج رقم 111 الصادر فى أول أغسطس 1983 من أن المصريين المهاجرين إلى الخارج سواء بصفة دائمة أو موقوتة، «يظلون محتفظين بجنسيتهم المصرية، ولا يترتب على هجرتهم الدائمة أو الموقوتة، الإخلال بحقوقهم الدستورية أو القانونية التى يتمتعون بها بوصفهم مصريين، طالما ظلوا محتفظين بجنسيتهم المصرية» (المادة الأولى من القانون) إذن فالمهاجر المصرى يتمتع بالحقوق التى كفلها الدستور بما فى ذلك حق الترشيح وحق الانتخاب. وأكثر من ذلك نصت المادة العاشرة من القانون المذكور على أن «للمهاجر هجرة دائمة أن يكتسب جنسية دولة المهجر مع الاحتفاظ بالجنسية المصرية، ويثبت هذا الحق لزوجته وأولاده القصر المهاجرين معه. وزادت المادة 11 من القانون على ذلك بالنص على أن «من يولد لمصرى هاجر هجرة دائمة، أن يحتفظ بنفس الحقوق والمزايا المقررة لأبيه، ويسرى ذلك على أبناء المصريين المهاجرين معها والمحتفظين بجنسيتهم المصرية».
إذن فالدولة تشجع على الهجرة، بل ترى فى إطلاق حق الهجرة للمصريين مواصلة للدور الطليعى الذى بدأته مصر وجالياتها فى عملية البناء فى كثير من الدول العربية، وفقاً لما جاء بالمذكرة التفسيرية للقانون المذكور. كما حرص المشرع على تأكيد احتفاظ المصرى بجنسية المصرية حتى إن اكتسب جنسية دولة المهجر، وينصرف هذا الحق إلى زوجته وأولاده القصر المهاجرين معه أو الذين يولدون فى الخارج لأب أو أم مصرية. لذلك فالحديث الذى يثار من وقت لآخر حول موضوع الجنسية المزدوجة، والدعوة إلى حرمان أصحابها من حقوق كفلها الدستور للمصريين، حديث خاطئ تماماً، ويتناقص مع أهداف قانون الهجرة ونصوصه، التى سعت للتسهيل على المصرى المهاجر، والعمل على الإبقاء على صلاته وصلات ذريته من بعده للوطن الأم. بل يتناقص مع الدستور نفسه الذى أفرد نصاً مستقلاً يقضى بأن للمواطنين حق الهجرة الدائمة أو الموقوتة إلى الخارج. فلسفة القانون المذكور قائمة على إسباغ كافة الحقوق الدستورية على الأجيال المتعاقبة للمصريين بالخارج من أجل ضمان ارتباطهم بالوطن الأم.
<<<
غير أن ما يدفعنى للحديث عن هذا الموضوع، وإبراز النصوص القانونية التى تحكم استمرار تمتع المهاجر بجنسيته المصرية، ليس أمر إدلاء المصريين بأصواتهم فى الانتخابات (إذ أضحى هذا الأمر محسوماً) إنما حرصى على انتهاز الفرصة المتاحة حالياً، بعد ثورة 25 يناير، وصياغة دستور مصرى جديد، كى أدعو إلى تبنى مبدأ أسمى وأعمق أثراً من مجرد حق الانتخاب. أعنى بذلك حق المصريين فى الخارج فى ترشيح وانتخاب من يمثلهم من أعضاء جالياتهم بالخارج كى يصبحوا أعضاء فى مجلس الشعب المصرى. ليس هذا الأمر بدعة، إذ سبقتنا إليه العديد من الدول ومن بينها الجزائر. ويعنى هذا الحق الانتقال إلى درجة أعلى من التمثيل والمشاركة السياسية للمهاجر بالخارج، من مجرد الإدلاء بصوته لانتخاب عضو برلمان بدائرته الانتخابية بالوطن الأم، إلى حقه فى ترشيح نفسه أمام جاليته فى المهجر، التى تقوم بانتخابه لتمثيلها فى البرلمان.
أعود إلى تجربة الجزائر التى ولا شك أنها تجربة رائدة لم تطبقها دولة عربية أخرى حتى الآن، وأملى كبير أن تكون الدولة العربية التالية فى هذا المجال هى مصر الثورة. شاركت فى يونيو عام 1997 فى الوفد الذى أوفدته جامعة الدول العربية لمراقبة الانتخابات التشريعية التى أجريت فى الجزائر فى ذلك التوقيت. انتهزت فرصة وجودى بالجزائر للاطلاع على تجربته فى تمكين المهاجرين بدول المهجر من ترشيح من يمثلهم فى المجلس النيابى الجزائرى (المجلس الشعبى الوطنى) بالإضافة إلى حقهم فى التصويت فى الانتخابات الرئاسية وفى الاستفتاءات العامة الجزائرية.
اجتمعت لهذا الغرض بكاتب الدولة لشئون الهجرة بوزارة الخارجية الجزائرية الذى أوضح لى تفاصيل هذه التجربة وآلياتها، وعندما عدت للقاهرة رفعت مذكرة بذلك إلى السيد وزير القوى العاملة والهجرة، الذى كنت أعمل مستشاراً له فى هذه الفترة، من أجل بحث إمكانية استفادة مصر من هذه التجربة المتميزة.
أبلغنى المسئول الجزائرى إن حق الترشيح والانتخاب للمهاجرين الجزائريين بالخارج قد تقرر لأول مرة فى مارس 1997 بمقتضى قانون الانتخاب الجزائرى الذى صدر فى هذا التاريخ أى قبل ثلاثة أشهر من إجراء الانتخابات الذى توجه وفد الجامعة العربية لمراقبتها. ونص القانون على تخصيص ثمانية مقاعد فى البرلمان الجزائرى للجزائريين المقيمين بالخارج (يبلغ عدد أعضاء البرلمان 389 عضواً) مع توزيع هذه المقاعد الثمانية على مختلف القارات وفقاً لكثافة الجالية الجزائرية المهاجرة المتواجدة بها. حصلت فرنسا على نصيب الأسد من هذه المقاعد حيث يتواجد بها أكبر عدد من المهاجرين الجزائريين بالخارج (80% من إجمالى الموجودين بالخارج البالغ عددهم حوالى 2.5 مليون نسمة) فمخصص لها أربعة مقاعد، وخصص لباقى أوروبا مقعد واحد، ولأفريقيا مقعد واحد أيضاً، وللعالم العربى مقعد، ولأمريكا وآسيا واستراليا مقعد واحد كذلك. ويحق للمهاجر الجزائرى فى هذه القارات ترشيح نفسه عن الحزب السياسى المنضم إليه أو كمرشح مستقل. وقد بلغ عدد إجمالى المرشحين الذين يتنافسون على المقاعد الثمانية 182 مرشحاً من مختلف الدول، ومن كل التخصصات، ومن مختلف الانتماءات السياسية، وذلك فى الانتخابات التى كانت تجرى فى ذلك الوقت.
لا شك أن أعضاء البرلمان، الذى ترشحوا وتم انتخابهم من قبل الجاليات الجزائرية بالخارج، هم أعلم من غيرهم بشئون جالياتهم ومتطلباتها ومشكلاتها. وبالتالى هم أصلح من يتبنى ويدافع عن هذه القضايا.
وفوق ذلك يمثلون جسوراً للتواصل بين المهاجرين وبلاد المهجر من ناحية، وبين الوطن الأم من ناحية أخرى، ويعظمون من فرص استفادة الجزائر من الطاقات العلمية والتكنولوجية والاقتصادية (الاستثمارية والتجارية) المتوفرة لدى هذه الجاليات بل ولدى المجتمعات التى تعيش فيها.
تتولى السفارات والقنصليات الجزائرية بالخارج الإشراف على العملية الانتخابية فى دوائر اختصاصها (للجزائر 18 قنصلية بالمدن الفرنسية المختلفة). وأمكن لهذه البعثات الدبلوماسية والقنصلية تسجيل ما يقرب من 80% من الجزائريين الموجودين بالخارج، وترتبط هذه البعثات بوسائل الاتصالات الحديثة بالوطن الأم جنب يتم إبلاغ لجنة الانتخابات المركزية بالجزائر بسير العملية الانتخابية أولاً بأول.
أخذت دول أخرى بنظام تمثيل المهاجرين فى الخارج فى برلماناتها، فخصصت فرنسا 12 مقعداً بمجلس الشيوخ للفرنسيين فى الخارج، كما خصصت إيطاليا 12 مقعداً بمجلس النواب و4 مقاعد بمجلس الشيوخ. وهناك دول أخرى مثل رومانيا والبرتغال وكرواتيا ومقدونيا تتبع نفس النظام.
<<<
نأتى إلى الوضع فى مصر حيث إن ذلك هو بيت القصيد من كل ما قدمت. فى تصورى أن ليس هناك ما يحول دون تضمين الدستور الجديد نصاً يسمح بتخصيص عدد من مقاعد مجلس الشعب للمصريين بالخارج الذين يقدر عددهم بحوالى 7 ملايين فى مختلف دول العالم، وذلك بما يتناسب مع هذا العدد الضخم من المهاجرين المصريين، وعلى أن يتم توزيع هذه المقاعد وفقاً للكثافة العددية للمصريين بالدول المختلفة. جدير بالذكر أن وزارة الخارجية المصرية تحث باستمرار المصريين الموجودين بالخارج فى ضرورة تسجيل بياناتهم بالسجلات المعدة لذلك بالسفارات والقنصليات. كما قطع قطاع الهجرة شوطاً كبيراً فى سبيل توفير قاعدة بيانات للمصريين بالخارج، واتحاداتهم وجمعياتهم ونواديهم. ومما لاشك فيه أن تفعيل حق المصريين بالخارج فى الترشح والانتخاب سيشكل حافزاً إضافياً للمصريين لتسجيل بياناتهم دون إبطاء.
من غير المتصور استمرار حرمان المصريين بالخارج، بكل الكفاءات والقدرات المتوفرة لديهم، من حق الترشح لمجلس الشعب بالإضافة إلى حق الانتخاب. ولا شك أن الإقرار بهذا الحق فى الدستور الجديد سينزل برداً وسلاماً على قلوب كل المصريين بالخارج. ثمرة طيبة أخرى ولاشك من ثمار ثورة الشعب العظيمة فى 25 يناير.