بعد تأجيله.. ما الذى نأمل تحقيقه من المؤتمر الاقتصادى؟
زياد بهاء الدين
آخر تحديث:
الثلاثاء 11 نوفمبر 2014 - 8:15 ص
بتوقيت القاهرة
أعلنت الحكومة منذ يومين عن تأجيل المؤتمر الاقتصادى الذى كان مزمعا عقده فى يومى ٢١ و٢٢ فبراير المقبل، والأرجح أن السبب هو الحاجة لمزيد من الوقت لاستكمال الدراسات الخاصة بالمشروعات الكبرى التى ستعرض على المستثمرين والتشريعات التى تشجعهم على الاستثمار فى مصر. وهذه أسباب وجيهة لأن هذا ليس مؤتمرا عاديا ونجاحه لا يهم الحكومة وحدها ولا الشركات والأفراد المشاركين فيه، بل كل مصرى حريص على مصلحة الاقتصاد القومى.
ومع ذلك فإن التأجيل يمكن أن يكون فرصة سانحة للاستعداد لأمر آخر لا يقل أهمية، وهو أن تعلن الحكومة، وبشكل واضح وصريح، عن موقفها من بعض المواضيع الشائكة التى تهم المستثمرين والرأى العام وتجعل رسالة المؤتمر تتجاوز مجرد استعراض فرص استثمارية إلى تقديم رؤية أكثر اتساعا عن مستقبل البلد. لذلك ومع تقديرى للجهد الهائل الذى يبذله المسئولون والوزراء المعنيون بالإعداد للمؤتمر والضغوط التى لابد أنهم يتعرضون لها من كل الأطراف، فأرجو أن ينظروا فى استغلال فرصة التأجيل لكى تعبر الدولة عن رؤيتها للمواضيع التالية.
المؤتمر مناسبة ملائمة لكى تعلن الحكومة عن التوجه العام لسياسة الدولة الاقتصادية لأنه لا يوجد لدى الرأى العام المصرى ولا الأجنبى وضوح رؤية بشأن هذا التوجه برغم أهميته البالغة: هل يستمر التوسع فى الإنفاق العام؟ وهل ستلتزم الحكومة بالنزول بعجز الموازنة إلى ١٠٪؟ وهل هناك المزيد من الضرائب فى الأجل القصير؟ وهل يتم تطبيق المرحلة الثانية من تخفيض دعم الطاقة قريبا؟ ومتى يبدأ تنفيذ شبكة الحماية الاجتماعية؟ وهل يعتمد النمو الاقتصادى على القطاع الخاص أم على الدولة والقطاع العام؟ وهل تستمر القوات المسلحة فى القيام بدور بارز فى تنفيذ العقود والمقاولات الحكومية أم يتراجع دورها تدريجيا؟ باختصار، ما هو النموذج الاقتصادى الذى تسعى الدولة الجديدة إلى تطبيقه؟ أسئلة كلها مشروعة والإجابة عليها ضرورية لكى يكون لدى المواطنين والمستثمرين على حد سواء القدرة على التوقع والمتابعة بدلا من الاعتماد على قراءة الإشارات والدلالات وما بين السطور. وقد شبه صديق لى الحالة الراهنة بمجموعة من الركاب الذين يستقلون سيارة مع سائق يعرفونه جيدا ويثقون فيه تمام الثقة ويقدرون جهده وإخلاصه، ولكن مع ذلك، وبعد فترة من السكوت والترقب والسيارة تتحرك بهم، فإن هؤلاء الركاب سوف يطلبون من السائق معرفة إلى أين يذهب بهم. وهكذا الرأى العام والمستثمرون اليوم، مهما كانت لديهم ثقة فى الرئيس وتأييد لحكومته فإن من حقهم معرفة الاتجاه الذى يسير فيه الاقتصاد القومى.
المؤتمر أيضا فرصة لكى تعرض الحكومة موقفها من قضية العدالة الاجتماعية بشكل أكثر وضوحا. الخطاب الرسمى السائد لا يزال مشغولا بالعدالة الاجتماعية باعتبارها أحد مطالب الشعب المصرى التى دفعته للثورة وقد تدفعه مجددا إن لم يشهد تقدما ملموسا فى هذا المجال، وبالتالى فإن العدالة الاجتماعية بهذا المعنى إجراء وقائى يستهدف تهدئة الناس وتجنب ثورة الجياع. ولكن للأسف أن هذا الخطاب يعود بنا تدريجيا إلى منطق العطف على الفقراء، وتوفير المسكنات، وزيادة بعض المعاشات، وبناء المزيد من المدارس والمستوصفات، دون تقديم رؤية شاملة للخروج بالمجتمع من الأزمة الاجتماعية العميقة التى يعيشها والاختلالات الكبرى التى يعانى منها. إن كان المؤتمر الاقتصادى حقيقة مؤتمرا للنهوض بالاقتصاد المصرى وليس مجرد ملتقى لكبار المستثمرين، فيجب أن يتناول الملف الاجتماعى بذات الاهتمام وأن تعبر الدولة من خلاله عن رؤيتها وبرامجها فى هذا الموضوع وإلا كانت رسالة المؤتمر سلبية للغاية من حيث اهتمامه بمشاكل المستثمرين وحدهم بمعزل عن هموم المواطن العادى.
أما فى المجال التشريعى، فقد أعلن رئيس الوزراء عن قرب الإعلان عن تعديلات كبيرة فى قانون الاستثمار وبعض القوانين الأخرى التى تسهل الإجراءات للمستثمرين، وهذا ضرورى ومطلوب. ولكننى أعتقد أن المناخ الحالى يقتضى أن تكون رسالة الحكومة فى المجال التشريعى أكثر طموحا بحيث لا تتوقف عند الحديث التقليدى عن إجراءات الاستثمار والمزايا والحوافز، وإنما تتجاوز ذلك إلى مراجعة التشريعات الكبرى المنظمة لقطاعات اقتصادية بأكملها بحيث يكون الإصلاح والتجديد التشريعى فى صميم الموضوع وليس فيما يخص الإجراءات وحدها. كل مؤتمر استثمار فى العالم يتطرق إلى المزايا والحوافز وتسهيل الإجراءات، ولكن ما يتوقعه المستثمرون من مؤتمر بهذه الأهمية هو أن يعيد تنظيم قطاعات حيوية مثل التعدين، والصناعة، والشراكة بين القطاعين العام والخاص، والائتمان الزراعى، والصناعات الصغيرة والمتوسطة، وكلها مواضيع تحتاج إصلاحا تشريعيا كبيرا يتجاوز مجرد الحوافز والإجراءات.
واخيرا، فلا أتصور أن ينعقد مؤتمر بهذا الحجم والأهمية دون أن يكون مناسبة للإعلان عن رؤية الدولة للوضع السياسى فى الفترة القادمة وإمكانية العودة للمسار الديمقراطى. الحاضرون جميعا سوف يعبرون بالتأكيد عن مساندتهم لمصر فى مواجهتها للإرهاب المحلى وفى التصدى للإرهاب الإقليمى، ولكن هذا لا يعنى تجاهل الوضع السياسى الداخلى. هذا مؤتمر سوف يحضره رؤساء دول ومنظمات دولية وإعلاميون ومحللون من كل أنحاء العالم وبالتالى فهو مؤتمر سياسى فى المقام الأول ولو كان موضوعه اقتصاديا، ولذلك يجب أن يكون لدى الدولة ما تقدمه بشأن رؤيتها للمسار السياسى ولقضايا الدستور والقانون والحريات، وأن يكون لديها تصور حول إعادة فتح المجال السياسى والعمل على التهدئة والحوار والبحث عن حلول تخرج المجتمع من حالة الانقسام الراهنة بدلا من الاعتماد على الحل الأمنى وحده. إن كان المؤتمر مناسبة لبدء مرحلة اقتصادية جديدة، فمن الضرورى أن يصاحب ذلك طرح رؤية وتصور لكيفية الخروج من الاحتقان السياسى الراهن.
المثل الشعبى يقول «كل تأخيرة وفيها خيرة»، ولكن التأجيل ينبغى ألا يكون فرصة لمراجعة القوانين والمشروعات الاستثمارية فقط ولكن لتقديم رؤية أشمل عن الاقتصاد والمجتمع والمسار السياسى على نحو يليق بمؤتمر غير عادى وبالمناسبة يمكن أن تكون نقطة تحول فارقة فى مستقبل هذا الوطن.