مصر الشركة.. ومصر الدولة
محمد عصمت
آخر تحديث:
الثلاثاء 11 نوفمبر 2014 - 7:50 ص
بتوقيت القاهرة
بعد أسبوع واحد من عقد الحزب الوطنى المنحل مؤتمره العام فى أول شهر نوفمبر 2009، كتبت فى هذا المكان تحت عنوان «زعيم شركة أم رئيس جمهورية؟ «أن المؤتمر كان تدشين المرحلة الأخيرة فى خطة توريث رئاسة الجمهورية لجمال مبارك، وأن القائمين على المؤتمر اختلط عليهم الأمر ما بين اعتبار جمال رئيسا لجمهورية مصر العربية وما بين اعتباره رئيسا لشركة مصر العربية المتحدة، ففى هذا الوقت اختلط البيزنس بالسياسة، وتاهت الحدود بينهما، ولم تعد هناك أية فروق تذكر بين التسويق التجارى والبرنامج السياسى عند جمال وشلته، وعلى رأسهم أمين التنظيم بالحزب المهندس أحمد عز!
سقط جمال فى الوحل، وانهار حلمه العبثى فى وراثة أبيه، وانفجرت ثورة يناير لتهدم المعبد القديم على رءوس مبارك الأب والابن والشلة والمحاسيب، لكن بقيت الخطوط الغائمة بين الشركة والدولة قائمة، فحتى الآن لا يعرف أحد فى مصر المرجعية السياسية والفكرية التى تستند إليها السلطات التى حكمت مصر منذ سقوط مبارك وحتى الآن، ففى المرحلة الانتقالية التى تولى فيها المشير حسين طنطاوى مسئولية الحكم، لم يكن سؤال البرنامج السياسى مطروحا من الأساس، باعتبار ان المجلس العسكرى يدير شئون البلاد لفترة مؤقتة يسلم بعدها البلد للحكم المدنى عقب اجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، أما فى فترة حكم محمد مرسى، فقد انشغل الإخوان والأهل والعشيرة بمشروع التمكين، وانشغل معارضوهم فى البحث عن طريقة لإسقاطهم بعد انكشاف الوجه الإخوانى القبيح، أما بعد وصول الرئيس السيسى للحكم، فقد انشغل الرجل وانشغلنا معه باستحقاقات الحرب على الارهاب ومواجهة عنف الإخوان، عن طرح برنامج سياسى واضح المعالم، محدد القسمات!
ما يطرحه الرئيس السيسى هو برنامج اقتصادى طموح، يعد من خلاله بمواجهة الفقر، وتحسين مستوى معيشة ومحدودى الدخل، وحل ازمات البطالة، إلا أن الغموض حول البعد الاجتماعى لهذا البرنامج يستدعى للذاكرة فكرة الشركة لا الدولة، فلا أحد يعرف أيضا شكل الملكية للمشاريع الضخمة التى يطرحها هذا البرنامج الاقتصادى، ولا كيفية توزيع عوائدها، فالمطروح حتى الآن أن هذه المشاريع ستكون من نصيب القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية، وهى جهات لا تهتم سوى بالربح وتعظيمه لأقصى درجة ممكنة أكثر من أى شىء آخر يتعلق بمواجهة الفقر وتحسين حياة الفقراء.
مثل هذا التصور فى أفضل أحواله، يعيد انتاج دولة مبارك من جديد، وحتى لو كانت بنسبة فساد أقل كثيرا لكنها بالتاكيد ستكون دولة بوليسية ستضطر لقمع الحريات، واللجوء إلى الحلول الأمنية وتضييق المجال العام أمام الأحزاب والمبادرات الجماهيرية ومنظمات المجتمع المدنى، فالعقل الباطن لهذه الدولة سيكون مرتبطا بالربح والخسارة، وسيطرة البيزنس على السياسة وعلى توجهات مؤسسات الدولة، على النقيض تماما من كل الأهداف التى طالبت بها ثورة 25 يناير وثورة 30 يونيو!
من غير مشروع سياسى ــ فكرى ــ وطنى يواجه الفقر والفساد وتراثنا الاستبدادى العريق، ومن غير تفعيل مواد الدستور بتقاسم السلطة بين الرئيس والبرلمان، ومن غير فتح المجال أمام الجماهير فى التظاهر والإضراب، ومن غير توجيه موارد الدولة ومشاريعها للحرب على الفقر، سنظل أسرى فكرة الشركة لا فكرة الدولة، وستظل سياسات حسنى مبارك جاثمة فوق صدورنا، وستظل أفكار جمال مبارك تحلق فوقنا رءوسنا، حتى لو صلحت نوايا الرئيس السيسى فى اصلاح فساد الرجلين فى مصر وبمصر!