بلاغ إلى المصريين

ابراهيم عرفات
ابراهيم عرفات

آخر تحديث: الأحد 11 ديسمبر 2011 - 9:35 ص بتوقيت القاهرة

هذا بلاغ إلى شعب خرج بعد حرمان طويل ليمارس أقدس حقوقه السياسية: حق الانتخاب. شعب حسن الحظ بكل تأكيد لأنه لم يخرج ليختار نوابه الجدد فى يوم واحد وإنما على ثلاث مراحل كل منها تمتد ليومين. محظوظ لأن أمامه فرصة ليصحح فى المرحلتين الثانية والثالثة بعض ما شاب المرحلة الأولى من أخطاء. ومحظوظ لأن لديه وقتا ليعيد التفكير فى تأثير خياراته الانتخابية على مستقبل مصر على ضوء النتائج التى ظهرت إلى الآن وما بدأ يتبين لها من تبعات وتداعيات. ومحظوظ كذلك لأنه ما زال يستطيع أن يثبت فى الجولتين المتبقيتين وفاءه وامتنانه لشباب الثورة الذين لولاهم ما كان الناس قد خرجوا إلى الانتخابات بهذه الكثافة والحرية. فليس عدلا بعد ثورة دافع الشباب عنها بصدورهم أن تأتى نتائج المرحلة الأولى لتضعهم فى ذيل القائمة. فمن افتدى الوطن بروحه يستحق أن نقدمه لا أن نؤخره. كما أنه ليس مفيدا للوطن بعد ثورة نادت بأن تكون مصر للجميع أن يتشكل برلمان ليس فيه الجميع، وإنما تقبض عليه كتلة واحدة أو تيار بعينه.

 

وهذا ليس بلاغ ضد الحزب أو التيار الذى فاز بالمرحلة الأولى وإنما بلاغ إلى كل الناس لينتبهوا إلى خطورة المهمة المكلفين بها. كنت سأكتبه بنفس الشكل لو كان الليبراليون أو اليساريون وليس الإخوان أو السلفيون هم ألفة المرحلة الأولى. فاعلم أخى المصرى أن أى انتخابات تنتهى بأغلبية برلمانية كاسحة لن تنتج إلا معارضة برلمانية كسيحة، والخاسر هو الوطن. فرجاء لا تجعلوا مصر تخسر. واعلم كذلك أن أى انتخابات يفرح فيها الفائز بحصد نسبة هائلة من الأصوات إنما تخفى وراءها حزنا ينتظره عندما يبدأ فى تحمل المسئوليات. فلا تجعلوا رجاء من فاز اليوم يبكى غدا.

 

هذا بلاغ للمصريين لكى ينزلوا من جديد بنفس الكثافة إلى صناديق الانتخاب لكى يختاروا كما يشاءون. فلا تجعل أحد يختار لك. ولا تنظر بعين التقدير لمن ينتهكون قاعدة الصمت الانتخابى فيطاردونك حتى الأمتار الأخيرة وأنت فى طريقك إلى لجنتك الانتخابية بل، ويحاولون إن أمكن أن يقفوا على رأسك بعد أن تدخل إلى مقر اللجنة. اعلم أن صوتك ملكك وحدك فلا تفرط فيه تحت أى ضغط لأن الصوت الانتخابى فى عرف السياسة هو عنوان الشرف والفضيلة. فمن منا يحب والعياذ بالله أن يفقد شرفه أو يتخلى عن الفضيلة؟

 

●●●

 

صوت لصالح الإخوان أو السلفيين إذا كنت مقتنعا بهم. لكن لا تصوت لهم لو ضغطوا عليك أو أغروك. ولا تصدقهم لو أوهموك بأن تصويتك لهم سيضاعف حسناتك، ويفتح لك باب الجنة أو لو خوفوك بأن اختيارك لغيرهم من «الكفار!!» سيلقى بك فى النار. وصوت لليبراليين أو اليساريين لو اقتنعت ببرامجهم ورأيت أن لديهم الحل. لكن لا تصوت لهم إذا قالوا لك أن صوتك لو ذهب لغيرهم فسيذهب لظلاميين يعيدوننا إلى القرون الوسطى.

 

لا تصدق وأنت ذاهب إلى جولة انتخابية جديدة أن الليبراليين كفرة أو عصاة، وقد رماهم بعض غلاة الإسلاميين ظلما وبهتانا خلال الجولة الأولى بذلك. وهى إشاعة سيبوء بإثمها من أطلقها وروجها. ولا تصدق بالمثل أن الإسلاميين متحجرين لأن فى ذلك تعميم لا يقل ظلما. ففى صفوفهم كثيرين من أصحاب العقول النابهة والعارفين بالحق والعازمين على الدفاع عن الإسلام الصحيح الذى لا يقبل بغير الدولة المدنية بديلا. عليك أخى المصرى أن تفرز وتغربل المرشحين بنفسك حتى لا تأخذ قرارك بالسمع. ولا تخلط رجاء مشاعرك الدينية بواجباتك السياسية أمام صندوق الاقتراع. تذكر الشيخ محمد متولى الشعراوى، رحمه الله، وقد حافظ على صحيح الدين ففهم كيف يجب أن يختار المرء فى السياسة. كان يقول عندما يسأل عن الأحزاب والانتخابات: «أرفض أن أنتمى إلى حزب يستجدى عطفى مستندا إلى وازعى الدينى قبل أن يخاطب عقلى.. وأرفض أن استجدى دينى فى صندوق الانتخاب لأن دينى لا أستجديه من غير خالقى».

 

وتذكر أخى المصرى أنك مطالب برد جزء ولو بسيط من جميل هؤلاء الشباب الذين افتدوك وافتدوا مصر بأرواحهم. صوت للشباب ولا تتردد. فالثورة التى أطلقها شباب لا يمكن أن تفرز برلمانا معظم من فيه من المشيب. واعلم أنك ستكون فى المرحلتين المقبلتين رمانة الميزان. فلا تجعله يميل كل الميل لتيار أو كتلة. أعلم أن الأحزاب السياسية أنانية بطبعها، يتمنى كل منها لو حصل على كل مقاعد البرلمان بمفرده. لكنك تستطيع بصوتك أن تتدخل لتتصدى لهذا الولع السياسى بالاحتكار. وهو مفسدة درأها مقدم من أجل مصر على جلب مصلحة من أجل حزب أو كتلة واحدة فى مصر. وتذكر كم ذاق المصريون من مذلة فى عهد النظام السابق بسبب الاحتكار وكان أبشعه احتكار الانتخابات ومقاعد البرلمان. وتعلم أن عليك من أجل درأ خطر الاحتكار أن تعيد توجيه صوتك بملء إرادتك لكى يكون لمصر برلمانا قويا متنوعا وليس ضعيفا محتكرا.

 

●●●

 

كن واعيا فلا تدع أحد يشوش عليك بالوعظ أيا كانت لغته. وأعلم أن الديمقراطية يحميها الناخب الواعى والمستقل القادر على تصحيح أى خلل يراه وبسرعة. وتخيل لو أن المرحلة الأولى كانت هى الوحيدة. وقتها ربما لن يكون أمام المصريين فرصة لتصحيح ما وقع من أخطاء. لكن أمامك جولتين يمنحانك فرصة ويلقيان على عاتقك مسئولية. فشارك فيهما وصوت كما تريد. لكن راعى فى قرارك أن هناك جيلا مصريا شابا نقيا وفريد لا يجب أن يشعر بعد ما قدمه من تضحيات أن الكبار قد خانوه. وراع كذلك أن البرلمان القادم إن لم تكن فيه معارضة قوية سينتج أغلبية مستبدة. فهل تريد أن ترجع مصر إلى الاستبداد؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved