المسألة النسوية فى مصر وتونس قبل وبعد الربيع العربى
العالم يفكر
آخر تحديث:
الجمعة 11 ديسمبر 2015 - 11:45 م
بتوقيت القاهرة
تزامنت بدايات طرح مسألة المرأة والمطالبة بحقوق النساء فى القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين مع قضية تحديث المجتمع، ونشأت علاقة وثيقة بين تحسين وضع المرأة والنهوض بالوطن وكتب الكثيرون عن العلاقة بين تحرر المرأة والتحرر من الاستعمار. ارتبط مفهوم المجتمع الحديث بشكل المجتمعات الغربية الموجودة فى ذلك الوقت. وتبنى معظم رواد الإصلاح الأوائل المنتمين لمختلف التيارات الفكرية الممثلة فى ذلك الوقت (ليبرالية كانت أو إسلامية)الافتراضات الأولية للحداثة، وقبلوا المنظومة الثنائية التى تضع الحداثة فى مواجهة التراث. وعلى الرغم من تباين تلك التيارات فى مواقفها من الحداثة، الا أنها توافقت على تحويل المرأة إلى رمز للخصوصية الثقافية العربية وحملتها عبء مشكلات الهوية «المهددة»، ومسئولية الحفاظ عليها فى آن وأصبح المطلوب من المرأة أن تجمع بين المعاصرة والتقليدية.
وعلى هذه الخلفية الفكرية، تباينت خطابات المهتمين والمهتمات بقضية المرأة فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وظهر اتجاه رئيسى يضع قضية المرأة فى صلب قضية تحديث المجتمع ونهضة الوطن. تبنت الرائدات والرواد خطابا ليبراليا سعى إلى تشجيع النساء على الانخراط فى المجال العام مع الإبقاء على العلاقات غير المتوازنة بين الجنسين خاصة فى المجال الخاص، وتم التركيز على ضرورة تعليم النساء وضرورة مساهمة النساء فى سوق العمل، وفى الوقت نفسه، كتبت مقالات تمجد من دور المرأة فى المنزل وتتحدث عن وظيفتها الأساسية فى رعاية الأسرة إلى آخره.
و مع تنامى خطاب التحرر الوطنى فى القرن العشرين باعتباره الأولوية القصوى للمجتمعات التى تعانى من الاحتلال، ليصبح مقدما على كل القضايا الأخرى، مثل قضية المرأة، حرصت النساء على التأكيد على العلاقة الوثيقة بين التحرر من الاستعمار وتحرر المرأة، كما أنهن لعبن دورا بارزا فى حركات المقاومة والتحرر الوطنى.
بدأت مرحلة جديدة فى تاريخ الحركات النسائية فى الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين. فبعد أن تحصل البلدان العربية على استقلالها، باستثناء فلسطين، نشهد تراجعا ملموسا فى نشاط مجموعات النساء بشكل عام وتنامى دور الدولة الوطنية الحديثة فى توجيه مسارات حقوق النساء انحسار المطالبات بحقوق النساء فى دوائر نساء لهن روابط قوية بمؤسسات الدولة ويتحركون فى نطاق السياسات الوطنية، وهو ما اصطلح على تسميته بنسوية الدولة. تميزت نسوية الدولة فى معظم البلدان العربية (تونس استثناء) بالتركيز على حقوق النساء فى المجال العام وتجاهل وضعها فى المجال الخاص الأمر الذى أدى إلى تخبط وتناقضات فى وضع النساء فى الدولة الحديثة.
***
استفادت النساء العربيات، خاصة فى مصر والمغرب العربى، بالانفتاح السياسى النسبى على العالم فى أواخر السبعينيات وبدايات الثمانينيات، وشهدت الثمانينيات بدايات تجمعات نسائية تهتم بقضايا المرأة. كان لهذه الزيادة الملحوظة فى عدد الجمعيات والمنظمات النسائية فى العالم العربى آثار إيجابية، حيث صاحبها تعددية صحية على مستوى الخطاب والأنشطة. فهذه الجمعيات أو المجموعات تعمل فى مجالات متنوعة جدا، فمنها المنظمات الحقوقية التى تركز على تعديل القوانين، ومنها المنظمات البحثية التى تعمل فى مجال تغيير المفاهيم الثقافية المناهضة لحقوق النساء، على سبيل المثال لا الحصر. على مستوى الخطاب، يمكننا رصد تنوعا أيضا، فهناك منظمات تتبنى خطابا دينيا يدافع عن حقوق النساء من داخل إطار دينى (إسلامى أو مسيحى)، وهناك منظمات تتبنى خطابا علمانيا، ثم هناك منظمات تسعى عضواتها إلى صياغة خطاب جديد يتجاوز الخطاب الحداثى الذى يفترض وجود تعارض بين الأصالة والمعاصرة، أو بين ما هو علمانى وما هو دينى. هناك اتفاق بين الجميع على أن حقوق النساء من حقوق الوطن.
إلا أن هذه الزيادة فى مجال العمل الأهلى النسائى صاحبتها تحديات وعراقيل عديدة قلصت من قدرة هذه المنظمات على الحركة والوصول إلى قطاعات كبيرة من النساء لعل من أهم هذه العراقيل غياب الديمقراطية فى العالم العربى بشكل عام وسيطرة النخب الحاكمة على العمل السياسى.
تطورت نسوية الدولة فى القرن الواحد والعشرين واتخذت شكلاً جديداً متمثلاً فى ظاهرة إنشاء المجالس القومية للمرأة. استجابت تلك الظاهرة للتغييرات العالمية فى عولمة حقوق النساء وإنشاء آليات وطنية للتفاعل مع المنظمات العالمية وهيئات الأمم المتحدة. توالت المؤتمرات واللقاءات وتم إنشاء منظمة المرأة العربية تحت مظلة جامعة الدول العربية. توفرت لهذه المجالس إمكانات جيدة لدعم حقوق النساء ووضعها على أجندة الحكومات، والعمل من أجل تعديل بعض القوانين. إلا أنه على صعيد آخر، وبسبب قرب هذه المجالس من الأنظمة الحاكمة فى الدول العربية، وحيث ترأست معظم تلك المجالس السيدات الأول، تكرر مرة أخرى استقطاب رموز العمل النسائى لتنفيذ سياسات محددة، أو استبعاد رموز أخرى بسبب اختلافات أيديولوجية. وكما حدث فى الستينات حين تم تأميم العمل النسائى الأهلى ومركزة جميع الأنشطة فى إطار عمل الحزب الحاكم، قامت معظم الحكومات العربية فى القرن الواحد والعشرين بواسطة تلك المجالس بمحاولة ثانية لتأميم العمل الأهلى والاستئثار بالحديث بالنيابة عن النساء فى المحافل الإقليمية والدولية والوجود على الساحة الدولية بوصفها الممثل الشرعى للمجتمع المدنى.
***
تعد سنة ٢٠١١ علامة فارقة فى مجال العمل الحقوقى بشكل عام، وحقوق النساء بشكل خاص، حيث عمت العالم العربى موجة ثورية أطاحت ببعض رؤؤس الأنظمة الحاكمة، واستمرت الحركات الاحتجاجية تطالب بحقوق المواطنة والحياة العادلة. كان للنساء دور بارز فى الحراك الثورى والعمل الحقوقى والتعبوى.
تمخض عن الحراك الثورى فى المنطقة العربية أطر جديدة للعمل الحقوقى وأشكال مبتكرة من التنظيمات كما أدى إلى إعادة تشكيل تحالفات قديمة وخلق أخرى جديدة تعمل وفق المستجدات التى طرأت على الساحة. يوجد إتفاق لدى المراقبين، والمحللين للمشهد أن الحراك النسوى فى المجال الثقافى والفنى، مثله مثل الحركات الاجتماعية والسياسية الأخرى، كان وما زال غاية فى الثراء والإبداع. نلمس أيضا تغييرات مهمة على مستوى الخطاب خاصة فى الموضوعات المسكوت عنها. وما زال الحراك النسوى مستمراً.