ما بعد الحرب العالمية الثانية.. الأمم المتحدة
أحمد عبدربه
آخر تحديث:
السبت 11 ديسمبر 2021 - 7:40 م
بتوقيت القاهرة
كان الهدف الأهم للقوى الدولية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية هو محاولة تجنب أخطاء الماضى التى لم تمنع قيام حرب عالمية ثانية، رغم ويلات الحرب الأولى. وكان هذا يعنى ببساطة ضرورة إنفاذ القانون الدولى والحفاظ على السلم الدولى بشكل أكثر صرامة من مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى، وخاصة مع الفشل الكبير لعصبة الأمم فى القيام بالأدوار الموكلة إليها.
•••
فكرة الأمم المتحدة ظهرت قبل انتهاء الحرب بنحو ٤ سنوات عندما اجتمع رئيس الوزراء البريطانى تشرشل بالرئيس الأمريكى روزفلت وأصدرا فى ١٩٤١ ما عُرف بإعلان الأطلنطى: وهو عبارة عن وثيقة تتكون من عدة مواد تؤكد على نية البلدين قيادة الحلفاء من أجل تحقيق السلم والأمن الدوليين بعد انتهاء الحرب. وقد تكررت هذه الاجتماعات لاحقا بحضور الاتحاد السوفيتى، وكذلك الصين ليشكلوا حلفا عُرف باسم «حلف الأربعة الكبار» والذى أخذ يناقش تصور هذه المنظمة، والتى اتخذت اسم «الأمم المتحدة» فى المحاضر الرسمية لهذه الاجتماعات منذ ١٩٤٢.
بدأت الخطوات الفعلية لإنشاء الأمم المتحدة فى إبريل ١٩٤٥، أى قبل نهاية الحرب بنحو ٤ أشهر، وبعد تحرير باريس فى صيف ١٩٤٤، ضغط تشرشل على روزفلت من أجل اعتبار فرنسا إحدى القوى العظمى المشاركة فى إنشاء المنظمة، وبالفعل تم تدشين الأمم المتحدة بشكل رسمى فى أكتوبر ١٩٤٥ لتتكون من ٥١ دولة، ولاحقا تم الاتفاق على أن تكون مدينة نيويورك هى المقر الرئيسى لأنشطتها.
•••
بالنظر إلى ميثاق الأمم المتحدة يمكن ملاحظة أنه اعتمد على أربعة أضلاع رئيسية: الضلع الأول هو الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، الضلع الثانى هو إيلاء القانون الدولى أهمية كبرى ليكون نافذا على كل دول العالم، أما الضلع الثالث فهو اعتماد مفهوم حقوق الإنسان وتحويله إلى مفهوم عالمى ملزم لجميع الدول، أما الضلع الأخير فهو اعتماد مفهوم التنمية المستدامة باعتباره محورا للتعاون بين الدول.
تشكلت الأمم المتحدة من ٦ مؤسسات رئيسية جاءت كالتالى:
الجمعية العامة للأمم المتحدة: وفيها تمثل كل الدول الأعضاء بشكل متساوٍ؛ بحيث يكون لكل دولة صوت واحد، ويكون لها الحق فى الموافقة على ميزانية المنظمة وانتخاب الأعضاء غير الدائمين لمجلس الأمن، وكذلك انتخاب السكرتير العام للأمم المتحدة. يحق للجمعية العامة طرح أى مواضيع تخص السلم والأمن الدوليين فى جدول المناقشة وتعتبر قراراتها بمثابة «توصيات»، أى أنها غير ملزمة للدول الأعضاء. هذا وتتشكل الجمعية حاليا من ١٩٣ دولة، بالإضافة إلى بعض الأعضاء الذين يتمتعون بحق المتابعة والمراقبة للأنشطة دون أن يكون لهم حق التصويت (مثل فلسطين حاليا).
مجلس الأمن: وهو المؤسسة الأهم داخل الأمم المتحدة، كون أن قرارات المجلس، بعكس قرارات الأمم المتحدة، ملزمة لكل الأعضاء، ومن ثم ينظر للمجلس على أنه المؤسسة الأهم لتحقيق السلم والأمن الدوليين عبر إنفاذ قواعد القانون الدولى. تشكل المجلس فى البداية من ١١ عضوا، منها ٥ أعضاء دائمى العضوية وهى الدول الكبرى المنتصرة فى الحرب العالمية الثانية (الولايات المتحدة، الصين، الاتحاد السوفيتى، بريطانيا، فرنسا)، بالإضافة إلى ٦ دول غير دائمة العضوية (تم زيادتهم لاحقا إلى ١٠ دول) يتم انتخابها عبر نظام الكوتة للمناطق الجغرافية المختلفة. لكن هناك فرق كبير بين الدول دائمة العضوية، وتلك غير دائمة العضوية، حيث أن المجموعة الأولى تتمتع بحق النقض (الفيتو)، وهو ما يعنى أن اعتراض دولة واحدة فقط من هذه المجموعة كافٍ لقتل أى قرار يتم مناقشته حتى لو أيده الـ١٤ عضوا الآخرين! يتمتع المجلس أيضا بأدوار مهمة فى انتخاب سكرتير عام الأمم المتحدة، وفى قبول أو رفض أى عضوية جديدة فى المنظمة، وكذلك للمجلس الكلمة الأخيرة فى رفض أو قبول تعديل أى مادة من مواد ميثاق الأمم المتحدة..
ومن الملاحظ أن المجلس الأهم داخل الأمم المتحدة، أصبح هو أحد أهم أسباب فشل المنظمة؛ وذلك بسبب حق النقض وبسبب اعتماد المجلس فى تمثيله دائم العضوية على الدول المنتصرة فى الحرب العالمية الثانية وعدم تغيير هذه العضوية أو تعديلها على مدى أكثر من ٧٥ سنة، باستثناء بعض القرارات التاريخية مثل نقل عضوية الصين من حكومة تايوان إلى حكومة الصين، ووراثة روسيا لعضوية الاتحاد السوفيتى بعد انهيار الأخير!
المجلس الاقتصادى والاجتماعى: وهو المجلس المنوط به تعزيز التعاون الاجتماعى والاقتصادى بين الدول الأعضاء ومناقشة سبل تحقيق هذا الهدف، يهدف المجلس أيضا إلى تحقيق التنمية المستدامة وفى سبيل ذلك يعقد اجتماعات دورية مع ممثلين من البنك الدولى وصندوق النقد الدولى. يتميز المجلس أيضا بإتاحة الفرصة أمام مئات المنظمات غير الحكومية لحضور جلساته والانخراط فى مناقشاته وأنشطته، ولكن وباستثناء كونه منبرا للمناقشة، فلا يتمتع المجلس بالكثير من الأدوات التنفيذية وليس له قرارات ملزمة على الدول الأعضاء ومن ثم فيشكك الكثيرون فى أهميته على النطاق الدولى.
محكمة العدل الدولية: وهى إحدى أهم مؤسسات الأمم المتحدة المنوط به إلزام الدول الأعضاء بقواعد القانون الدولى. خلفت هذه المحكمة، المحكمة الدائمة للعدل الدولى والتى كانت قد أنشئت بعد الحرب العالمية الأولى، ولكنها لم تتمتع بأى نجاح يذكر. تتكون محكمة العدل الدولية ومقرها لاهاى بهولندا من ١٥ قاضيا يتم انتخاب كلٍ منهم لمدة ٩ سنوات، على أن تجرى انتخابات تجديدية لخمس قضاة كل ثلاث سنوات. يراعى عادة فى القضاة تمثيل المناطق الجغرافية المختلفة للعالم، وجرى العرف على أن يكون لكل دولة دائمة العضوية فى مجلس الأمن قاضٍ فى المحكمة، ولكن تحظر المحكمة أن يمثل قاضيان نفس الدولة فى الفترة ذاتها.
تعد محكمة العدل الدولية هى أحد أهم مصادر القانون الدولى بعد الحرب الثانية، إذ إنها المحكمة الوحيدة القادرة على إلزام الأعضاء من الدول القومية بتنفيذ أحكامها. ورغم أن المحكمة قد تدخلت فى نحو ١٨٠ قضية دولية إلا أن معظم قراراتها لم تكن ملزمة، إذ إن واحدة من أهم ثغرات نظام المحكمة هو أن الدول المعنية بالقضية المنظورة أمامها لابد أولا أن توافق على إلزام حكم المحكمة لها، ومن هنا تكون يد المحكمة مغلولة فى الكثير من الأحيان وتكون الكثير من قراراتها على هيئة آراء استرشادية بناء على طلب مجلس الأمن.
•••
بالإضافة للمؤسسات السابقة، توجد العديد من المؤسسات الأخرى التابعة للأمم المتحدة، مثل الأمانة العامة، ومجلس الوصاية الدولى والذى أصبح بلا وجود فعلى منذ منتصف التسعينيات بعد أن انتهت الوصاية على الأقاليم غير المستقلة التابعة لعدد من الدول المستعمرة بعد الحرب الثانية، بالإضافة إلى العديد من المنظمات الأخرى الفاعلة بقوة على الساحة الدولية والمعنية بالعديد من المجالات الاجتماعية والثقافية والعلمية والصحية مثل منظمة اليونيسكو واليونيسف ومنظمة الصحة العالمية.
لكن كيف نقيم عمل الأمم المتحدة الآن وبعد ٧٥ عاما من العمل؟ هل يمكن اعتبار الأمم المتحدة بمثابة حكومة دولية تنفذ القانون الدولى على كل الدول الأعضاء بشكل مماثل لقيام السلطات التنفيذية داخل الدولة القومية بتطبيق القانون على جميع المواطنين؟ هل حقا نجحت الأمم المتحدة فى تحقيق السلم والأمن الدوليين كما سعت منذ البداية؟ هل تمكنت بالفعل من تدويل مفهوم حقوق الإنسان كمعيار حاكم فى العلاقات بين الدول؟
نحاول أن نجيب عن هذه الأسئلة فى المقالة القادمة.
..............................................
ملحوظة: تم الاسترشاد فى كتابة هذا المقال بالفصل السابع من كتاب «السياسة الدولية.. القوة والغاية فى العلاقات العالمية» لباول دانييرى لدار نشر سينجاج فى عام ٢٠٢٠ وهو أحد مقررات مرحلة البكالوريوس لطلاب العلاقات الدولية بجامعة دنفر.
.............................................
أستاذ مساعد زائر للعلاقات الدولية بجامعة دنفر