أخطاء الماضى فى المشهد السورى المفجع
علي محمد فخرو
آخر تحديث:
الأربعاء 11 ديسمبر 2024 - 8:00 م
بتوقيت القاهرة
دعونا نحاول معرفة بعض الأسباب المفصلية التى وقفت وراء التحولات الهائلة السريعة المفاجئة فى القطر العربى السورى العزيز. وهى بالطبع تتمة لتحولات مماثلة جرت وتجرى فى العديد من الأقطار العربية الأخرى.
تُرى لو أن سوريا بقيت كجزء من الجمهورية العربية المتحدة، التى تكونت فى حينها من مصر وسوريا كبداية، ولم تصل إلى قرار الانفصال من خلال انقلاب قام به بعض من الضباط السوريين المرتشين وبعض من قادة الأحزاب السورية الفاسدين أو الجهلة أو البلداء فى فهمهم وتقديرهم السياسى.. ولو أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر لم يستعجل القبول بالانفصال وإنما أصرّ كما يجب على طرح الانفصال على استفتاء الشعب السورى الوحدوى العروبى.. وبالتالى لو أنه لم يُجرَ التلاعب بقيمة وأهمية ومفصلية وأولوية تلك النواة الوحدوية التاريخية، وعلى الأرجح انضّمت لها أقطار عربية أخرى حتى ولو بعد حين، فهل كان باستطاعة الاستعمار الأمريكى وتابعيه والكيان الصهيونى وتركيا والتكفيريّين أن يمسّوا شعرة من سوريا كجزء من تلك الجمهورية؟
ذاك كان سببا رئيسيا فى شكل أسئلة تشير إلى ضياع فرصة تاريخية كانت ستمنع كل ما جرى مؤخرا فى الوطن العربى كله، بما فيه سوريا.
أو ترى لو أن سوريا، بعد أن ارتكبت حماقة الخطوة الكارثية الانفصالية تلك، وأصبح يحكمها حزب البعث العربى الاشتراكى، تعلمت من ذلك الدّرس، وفعلت المستحيل لإقامة دولة وحدوية مع القطر العراقى الذى كان هو الآخر يحكمه حزب البعث العربى، وتغلبت هى والعراق على نرجسية بعض الشخصيات القيادية فى البلدين المعرقلة لقيام ذلك الاتحاد.. لو أن تلك الفرصة التاريخية الكبرى للرجوع مرة أخرى إلى شعار الوحدة والبدء بتطبيقه لم تضّيعها بلادات المتحاورين غير المتزنين فى البلدين، فضاعت إمكانية أن تكون سوريا جزءا من دولة عربية بسبعين مليونا من البشر وبغنى هائل فى المياه والزراعة والبترول والغاز، وآمال كبيرة فى أن تكون صناعية بكل معنى الكلمة ويحميها جيش كبير مهاب من الأعداء.. لو أن تلك الفرصة السّانحة لم تضع عبثا فهل كان بمقدور الاستعمار الأمريكى وأذنابه والكيان الصهيونى وغيرهم أن يمسّوا شعرة من أى من العراق أو سوريا أو من تلك الدولة العربية القوية؟
ذاك كان سببا رئيسيا آخر فى شكل أسئلة تشير إلى ضياع فرصة تاريخية أخرى.
أو تُرى لو أن حزب البعث العربى، الذى كان مفخرة الفكر والنضال السياسى العربى فى أول تكوينه، لم يسمح لنفسه شيئا فشيئا أن يكون أكثر من واجهة اسمية مظهرية لمجموعات عسكرية مغامرة جاهلة، أو لأقليات مذهبية أو قبلية أو عائلية منخورة بالنرجسية تتلاعب بالحزب وتهيمن على قراراته وسلوكياته الإقصائية لكل القوى السياسية الأخرى فى القطرين، فهل كان للعراق أن ينتهى إلى ما انتهى إليه من ضعف وتفكك واستباحة، أو كان لسوريا أن تعرض على العالم المشاهد المؤلمة وغير المشرفة التى شاهدناها فى الأسبوعين الماضيين، فأحزنت الملايين وأبكت المحبّين والمحبات لسوريا وأدخلت اليأس فى قلوب شابات وشباب الأمة؟
كان ذلك كله عبثا بالنضال السياسى العربى الذى لم يسلم قطر عربى واحد من ممارسة نوع أو أكثر من أنواعه المفجعة.
أو تُرى لو أن مؤسسات مؤتمر القمة العربية أو الجامعة العربية أو منظمة التضامن العربى الإسلامى لم توضع قدراتها الهائلة على الرف واستعيض عنها بإعطاء كل قطر عربى حق التصرف الوطنى الأنانى غير المبالى بالالتزمات القومية العروبية أو الإسلامية المشتركة، فأدى ذلك إلى ضعف وسقم وشلل كل تلك المؤسسات، ولو أنه سمح لها مجتمعة أن تكون حامية لكل قطر عربى ولكل دولة إسلامية ولكل جماعة عربية أو مسلمة، فهل كان الاستعمار الأمريكى وأتباعه والكيان الصهيونى وغيرهم يجرأون على مسّ شعرة من الكثير من الأقطار العربية بما فيها سوريا العزيزة ويحاصرونها سنين طويلة ويدمّرون اقتصادها وكل مصادر معيشة شعبها العربى العظيم الذى كان ولا يزل يدافع عن كل شعب من شعوب هذه الأمة ويضحّى بالكثير من أجلها؟
كان ذكر كل ذلك التاريخ المؤلم المأساوى من أجل أخذ الدروس والعبر، لا من قبل سوريا لوحدها ولكن من قبل الجميع، على الأخص من قبل نظام الحكم الجديد فى سوريا الذى يحتاج أن يتجنب سياسات الإقصاء الكارثية وممارسات الانتقام العبثية وهيمنة أخطاء الماضى على الحاضر والمستقبل، فلقد تعب شعب سوريا العروبى المضحّى العظيم من تحّمل مسئوليات ونتائج كل ما حدث، وأن يعود إلى السير فى الدروب التاريخية الرائعة التى عُرف بعدم الخوف من اقتحامها بشجاعة واقتدار.