الجوائز والقيمة الإبداعية!
إيهاب الملاح
آخر تحديث:
الجمعة 12 يناير 2018 - 9:05 م
بتوقيت القاهرة
(1)
أعلن مساء الاثنين الماضى أسماء الفائزين بجوائز ساويرس للإبداع الثقافى، دورة العام 2017، فى الرواية، والقصة القصيرة، والسيناريو، والمسرح، لكبار المبدعين وشباب الأدباء، وفى النقد الأدبى. ويجب أولا توجيه التحية والتهنئة الخالصة من القلب للأصدقاء جميعا الفائزين بجوائز ساويرس للإبداع هذا العام.
وكالعادة، ليس فقط فى إعلان الفائزين بجائزة ساويرس، بل عقب الإعلان عن الفائزين بأى جائزة كبرى فى الإبداع (بوكر/ جوائز الدولة/..إلخ) دائما تثار ضجة «دوشة» حول من فاز ومن كان يستحق ومن لم يحالفه الحظ، قد ترتفع الأصوات لمستوى الصراخ وتجاوز النقد إلى السب والقذف! وقد تهدأ الأمور إلى حين ثم تندلع فجأة لتوجه نيرانها فى وجوه المسئولين عن الجائزة أو القائمين عليها وبالطبع لجان التحكيم التى تنال القسط الأوفر من هذا الهجوم!
ودائما ما كنا نتناقش، أنا وصديقى الناقد الكبير محمود عبدالشكور، حول هذه «الخناقة»، ونتعجب وندهش من هذه الزوابع والتوابع التى تستهلك الوقت والجهد بلا طائل ولا فائدة.. وأظن أننا اتفقنا على عدة أمور تلخص رأينا فى هذه المسألة؛ انطلاقا مما نتصور أنه بضعة مبادئ، بسيطة للغاية، قد لا يختلف عليها أحد:
ــ الجوائز لا تعنى حكما مطلقا، ولكنها تعبر فقط عن رأى لجنة تحكيمها.
ــ لجان التحكيم تعترف فقط بالقيمة حال وجودها فى عمل ما أو ما تعتبره أو اعتبرته حاملا للقيمة ومستحقا للجائزة، ولكنها لا تستطيع أبدا أن تضيف إلى هذا العمل «القيمةَ» فى حال عدم وجودها.
ــ لجان التحكيم حرة تماما فى اختيار ما تشاء من أعمال تراها مستحقة من دون أى وصاية، ولا جناح على أى لجنة أن تمنح الجائزة حتى لمن يتوقعه البعض مسبقا، كثرة أو قلة.. لكن، وفى المقابل، الناس أيضا والنقاد والقراء أحرار أن يبدوا «رأيهم» (أكرر رأيهم وليس سبابهم) فى هذا الاختيار، وأيضا بدون أى وصاية.
ــ منذ لحظة فوز عمل ما (رواية، قصة، مسرحية، كتاب نقدى أو فكرى.. إلخ) بجائزة يدخل إلى لجنة تحكيم أكبر وأخطر هى آراء القراء فيه بعد قراءته. ثم يدخل بعد ذلك إلى لجنة تحكيم أعظم يترأسها الزمن نفسه، الذى سيحكم على قدرة العمل على البقاء، بعد منافسة شرسة مع الأعمال التالية له.
ــ إن العبرة دائما هى «القيمة الأدبية» وحدها.. ولا مليون جائزة يمكنها أن تمنح عملا بلا قيمة أىّ قيمة.. والأمثلة أكثر من أن تعد.
اكتب ودع عملك يتحدث عنك.. فقط!
(2)
ومن توابع الإعلان عن الفائزين بالجوائز الإبداعية حالة الحزن المريرة التى تتحور إلى غضب عارم بين أغلب من لم يحالفهم الحظ بالفوز، ومنهم من لم يكتب سوى عمل واحد أو اثنين، ومجرد ظهور الأسماء ضمن قوائم الترشح، هذا فى حد ذاته إنجاز طيب وجميل، ويحمل اعترافا ضمنيا ومؤكدا بأهمية هذه الأعمال وتميزها.. ولكن:
بالتأكيد من بين هؤلاء مواهب إبداعية جيدة جدا بل ممتازة، خيالها خصب، ولديها أفكار ومشروعات روائية وقصصية أكثر من رائعة.. لكن مشكلتها الكبرى ــ فى ظنى ــ أنها تستنكف الاعتراف بأوجه القصور فى بدايات مشوارها.. بعضٌ من هؤلاء ثقتُه فى ما يكتب تفوق أضعاف ما يبذله من جهد لتجويد ما يكتب!! الموهبة موجودة بلا شك والخيال منطلق ومبدع، أما الأداة التى يتجسد بها ومن خلالها هذا الإبداع فينقصها الإحكام والصقل والتجويد.
الإيمان بأن موهبتك وحدها هى مربط الفرس فى تجربتك الإبداعية رهان خاسر! ولعلك تعرف يا صديقى القول المشهور لأحد كبار الكتاب «الموهبة نصفها عمل دؤوب» (ذكرنى بها الكاتب الكبير رءوف مسعد).
امتلك أدواتك، اعمل على ترسيخ تكوينك الثقافى والإنسانى، ولا تتصور أنك يمكن أن تكون كاتبا كبيرا بلا رؤية ولا ثقافة ولا سؤال، وأن موهبتك تغنيك عن كل ذلك! هذا وهم!
تمكن من لغتك، لا تكن نقطةَ ضعفك القاتلة، ولا تستنكف أن تبذل بعض المجهود فى الوصول بها إلى برّ السلامة أولا ثم أبدع بعد ذلك كيفما شئت، ولا تترفع على الاعتراف بأوجه القصور والنقص.
صدقنى ــ والله ــ ستكون كاتبا مجيدا وعظيما، وستحصد الجوائز كلها استحقاقا وجدارة.. إن شاء الله.