«المجهول» فى المجلس الأعلى
محمد سعد عبدالحفيظ
آخر تحديث:
السبت 12 يناير 2019 - 10:55 م
بتوقيت القاهرة
منتصف العام الماضى، أصدر المجلس الأعلى للإعلام، قرارا بمنع نشر أى أخبار مجهولة المصدر فى وسائل الإعلام، وذلك بدعوى «التحقق من جدية الأخبار قبل بثها أو نشرها، ودرءا للمخاطر التى تترتب على نشر أخبار مجهلة المصدر، والتى يمكن أن تضر بالصالح العام والاقتصاد الوطنى أو الأمن القومى... إلخ»
مكرم محمد أحمد رئيس المجلس، أكد حينها أنه ستتم «محاسبة من يثبت أنه نشر خبرا لأحد المصادر المجهولة دون أن يكون لديه دليل لإثبات صحته»، وهو ما يصطدم بقاعدة حق القارئ فى المعرفة وحق حماية هوية المصدر حتى أمام جهات التحقيق.
قرار المجلس أثار العديد من التساؤلات فى الأوساط الصحفية، فالمناخ السياسى القائم الذى جعل المصدر متخوفا من أن يدلى بتصريح أو يمنح الرأى العام معلومة، وغياب البنية التشريعية التى تعطى للصحفى الحق فى الحصول على المعلومة من مصادرها، جعل القرار لا يعدو كونه حبرا على ورق.
لم يلتزم أحد بقرار المجلس الأعلى الصادر فى مايو الماضى، وظلت المنصات الإعلامية تنشر أخبارا ومعلومات عن مصادر مجهلة «موثوقة وعليمة وأمنية وقضائية وبرلمانية».
اللافت فى هذه القضية أن عددا من مؤسسات الدولة «وزارات أو هيئات أو مؤسسات» ينشر بياناته على مواقعه الرسمية مسندة إلى مصادر مجهلة، والمثير للسخرية أن المجلس صاحب القرار، نشر مطلع أكتوبر الماضى بيانا منسوبا إلى «مصدر مسئول»، تحت عنوان «إجراءات جديدة لضبط المشهد الإعلامى»، أكد فيه أنه «وجه خطابات إلى الشركات العاملة فى مجال البث تنفيذا للقانون 180 لعام 2018، والذى يمنع استيراد أجهزة البث إلا عن طريق الهيئة الوطنية للإعلام أو مدينة الإنتاج الإعلامى أو الشركات المملوكة للدولة».
استغرب الصحفيون من بيان المجلس، وتعاملت الصحف مع قرار حظر نشر الأخبار مجهولة المصدر، كأنه لم يكن، حتى طفت على السطح خلال الأسبوع الماضى «لائحة جزاءات الإعلام»، التى شملت ضمن نصوصها الكارثية، مادة تقضى بمجازاة كل من نشر أخبارا مجهولة المصدر، بغرامة تصل إلى 500 ألف جنيه، ومنع نشر أو بث ــ أو حجب ــ الصفحة أو الباب أو البرنامج أو الموقع لفترة محددة أو دائمة، وهو ما يعنى أن الصحف لن تنشر سوى البيانات الصادرة عن الجهات الرسمية، مما يعد قيدا جديدا على حرية الصحافة، يضاف إلى القيود التى فرضت خلال الفترة الأخيرة بهدف تطويع الإعلام بشكل كامل.
لم تكن تلك المادة الوحيدة فى لائحة الجزاءات التى تهدف إلى الإجهاز على ما تبقى من إعلام، فاللائحة فرضت فى 7 مواد منها غرامات مالية تصل إلى نصف مليون جنيه على ما يرى المجلس الأعلى أنها مخالفات إعلامية، وذلك بالمخالفة للقانون 180 لعام 2018، وتجاوزت القانون والدستور الذى منع الرقابة على الصحف إلى فى حالة الحرب والتعبئة العامة، وأعطت للمجلس الحق فى منع النشر أو البث وحجب المواقع، بل وحجب الصحفيين أنفسهم من الظهور الإعلامى بدعوى ارتكابهم مخالفات مثل «الإساءة لمؤسسات الدولة أو الإضرار بمصالحها العامة، أو إثارة الجماهير، أو إهانة الرأى الآخر، أو الإخلال بمقتضيات الأمن القومى»، وهى عبارات مطاطة وحمالة أوجه تحتاج إلى تعريف منضبط، فضلا عن أن قانون العقوبات به من المواد ما يكفى لمعاقبة مرتكبى تلك المخالفات.
الأدهى أن اللائحة التى افتأتت على سلطة نقابة الصحفيين فى معاقبة أعضائها وفقا لقانونها، أعطت لرئيس المجلس الأعلى الحق فى الإعفاء من العقوبة أو تخفيفها، وهو كلام لا يمت إلى القانون بصلة.
بعد بحث ودراسة وسؤال أهل الذكر، لا توجد مادة من مواد اللائحة المقترحة تتفق مع صحيح القانون والدستور، ولا أعلم كيف خرج هذا المقترح من زملاء مهنة يفترض بهم ــ حسب القانون المنظم لعمل مجلسهم ــ أنهم يعملون على ضمان استقلال الصحافة ويحافظون على الحق فى حرية الرأى والتعبير.
أخيرا.. ستثبت الأيام والقضاء الذى سنطعن أمامه على تلك اللائحة فى حال تمريرها صحة وجهة نظرنا برفض مناقشتها أو إبداء الرأى فيها.