إدخال تكنولوجيا جديدة إلى مصر
محمد زهران
آخر تحديث:
الأحد 12 يناير 2020 - 12:20 ص
بتوقيت القاهرة
يجب أن نعترف أننا على الأقل -حتى الآن- مستخدمون للتكنولوجيا ولا نبتكرها إلا فيما ندر، ولكن حتى استخدام التكنولوجيا يحتاج استراتيجية وفكر وهذا هو موضوع مقالنا هذا الأسبوع: كيف نتعامل مع التكنولوجيات الحديثة التي تظهر في العالم في مختلف المجالات؟
إدخال تكنولوجيا جديدة في أي مكان في العالم يتبع ثلاث خطوات: أولاً استخدام التكنولوجيا القديمة يبدأ في النقصان، ثانياُ تتواجد التكنولوجيتان القديمة والجديدة معاً، ثالثاً تختفي التكنولوجيا القديمة ويبدأ استخدام التكنولوجيا الجديدة في التزايد.
لنأخذ كمثال السيارات ذاتية القيادة، حالياً كل السيارات غير ذاتية القيادة ولكن عندما تطور تكنولوجيا القيادة الذاتية أكثر فسيبدأ بعض المغامرين في شراء تلك السيارات ومع الوقت سيتزايد عدد الأشخاص الذين يشترون تلك السيارات المتقدمة على حساب السيارات التقليدية التي ستبدأ أعدادها في التقلص، عندئذ سستواجد كلتا السياراتان في الشوارع معاً، مع استخدام تلك التكنولوجيا الجديدة ستتطور وستكتشف الشركات المصنعة لها الأخطاء وستتداركها وبذلك سيزداد عدد مستخدمي تلك السيارات وسينخفض ثمنها وبعد فترة ستصبح كل السيارات في الشوارع ذاتية القيادة.
هذا السيناريو يطرح العديد من الأسئلة: متى نقول إن عندنا تكنولوجيا جديدة؟ ما هو الطول الزمني لكل خطوة من الخطوات الثلاثة التي ذكرناها؟ كيف نتعامل مع ذلك في مصر.
هناك الكثير من التكنولوجيات التي تظهر تقريباً كل يوم في جميع أنحاء العالم فمتى نقول أن تكنولوجيا ما ستحل محل تكنولوجيا حالية؟ هذا يحدث عندما تحدث تلك التكنولوجيا الوليدة تحسناً كبيراً سواء في الرفاهية (مثلاً: السيارات ذاتية الحركة لأن كل شخص سيصبح عنده سائقه الخاص) أو الكفاءة (مثلاً: جهاز كمبيوتر أسرع بعشر مرات من الأجهزة الحالية) أو السعر (مثلاً: استخدام طاقة تجددة بدلاً من البترول) ويجب أن يكون ذلك التحسن بدون أثار جانبية باهظة التكاليف فمثلاً كي يحل استخدام الطاقة الشمسية في أغلب الأماكن محل المنتجات البترولية يجب أن تكون كفاءة الخلايا الشمسية عالية وتكلفتها قليلة ويجب أن يكون تخزين الطاقة ونقلها غير مكلفين.
نأتي إلى السؤال الثاني وهو الطول الزمني لكل خطوة: تناقص التكنولوجيا الحالية وتزامن التكنولوجيتين وتزايد التكنولوجيا الجديدة، طول كل خطوة مختلف في كل دولة ويعتمد على التقبل المجتمعي والمستوى الاقتصادي واستراتيجية الحكومة.
التقبل المجتمعي له تأثير كبير خاصة لو كانت التكنولوجيا الجديدة تؤثر على المظهر العام فمثلاً لو ظهرت نظارات بزجاج يظهر معلومات عن الأشخاص الذين تراهم ومزودة بكاميرا وأجهزة تسجيل فقد لا يتقبل الناس الحديث معك وأنت تلبس تلك النظارات أو قد تحس بحرج حين تلبسها إذا كان شكلها غريب، تغيير العرف السائد يحتاج وقتاً، أما المستوى الاقتصادي فتأثيره يأتي من أن أي تكنولوجيا وليدة ستكون غالية الثمن لاستيرادها وصيانتها وبالتالي ستكون غالية الثمن في البداية وستبدأ في الإنخفاض حين يكثر الطلب عليها ونبدأ في تصنيع قطعاً منها أو كلها محلياً، أما استراتيجية الحكومة فتأخذ في الإعتبار كل ما سبق بالإضافة إلى تأثير هذه التكنولوجيا على سوق العمل من حيث الوظائف التي ستختفي وتلك التي ستظهر وتأثير تلك التكنولوجيا على حياة الأفراد أو المؤسسات فمثلاً قد تبطئ استراتيجية معينة وعن عمد إدخال تكنولوجيا جديدة للبلاد حتى تهيئ سوق العمل لها وتجد وظائف بديلة لمن سيفقدون أعمالهم.
في مصر يجب أن نأخذ في الإعتبار كل ما سبق، يجب أن ننتقي من التكنولوجيات الوليدة ما يساعد الاقتصاد المحلي وفعالية الخدمات المقدمة للمواطنين والحاجات الأساسية أولاً ثم تأتي رفاهية الناس فمثلاً الطاقة الشمسية والرقمة والحاسبات فائقة السرعة وتطبيقات الذكاء الصناعي أهم من أجهزة تليفزيون ذات صوت وصورة أنقى أو سيارات فارهة، الرفاهية الزائدة عن الحد لها مضارها الكبيرة ولكن لذلك مقال منفصل.
بعد إختيار التكنولوجيا يجب دراسة الأعمال التي ستختفي باستخدام تلك التكنولوجيا وتحديد جدول زمني يتم فيه نقل العمالة لأعمال أخرى.
التكنولوجيا مهمة ولكن استخدام التكنولوجيا مهم أيضاً والأهم من كل ذلك صناعة وإبتكار التكنولوجيا وهذا لا يتأتى بدون العلم والعلم لا يأتي إلا بالتعليم.
لذلك فالتعليم من وجهة نظري يعتبر قضية أمن قومي.