الدحدوح.. جبل من الصبر
ناجح إبراهيم
آخر تحديث:
الجمعة 12 يناير 2024 - 7:50 م
بتوقيت القاهرة
وائل الدحدوح «أيوب الصحافة والإعلام» فى العصر الحديث.
الدحدوح سبق الجميع فى الصبر والرضا، وحياته كتاب عظيم ستدرسه الأجيال لتتعلم منه الرضا بالقضاء والصبر على البلاء.
الدحدوح ينتظر إطلالاته ملايين العرب والمسلمين، ونال من الشرف والمكانة فى العالم، ما لم ينله غيره، ولم يأتِ ذلك من فراغ بل لأنه قدم نموذجا يصعب تكراره فى الإعلام.
الدحدوح جبل من الألم يقابله جبل من الصبر.
الدحدوح ومؤمن شراقى، وسامر أبو دقة رموز لمعاناة كل الصحفيين والإعلاميين الفلسطينيين فى غزة ومسيرتهم تعد دليلا على الطغيان الإسرائيلى الذى لم يترك شريحة إلا واستهدفها.
الدحدوح تحول لرمز لاستهداف إسرائيل الممنهج للصحفيين وأسرهم، فقد قتلت أكثر من مائة صحفى فى ثلاثة أشهر، ونال من الشرف والمكانة ما لم ينله إعلامى غيره، وقد حفر هذه المكانة فى القلوب بصدقه وصبره وجلده وتضحياته وإصراره على أمانة الرسالة والبلاغ وفضح طغيان الدولة العبرية.
إسرائيل تكره الحقيقة وتكره من يبلغها ويجليها لذا نكلت بالصحفيين وأسرهم.
الدحدوح أيقونة الإعلام الحر فى غزة، كما كانت شيرين أبو عاقلة أيقونة القدس كلها فهى التى فضحت كل انتهاكات الصهاينة لحرمة المسجد الأقصى.
إسرائيل قتلت كل أحبة الدحدوح وكأنها تنتقم منهم وصدق حيث قال «إسرائيل تنتقم منا عبر أولادنا».
الدحدوح.. صاحب رسالة يستحق أن يكون نموذجا جميلا رائعا لكل صحفى وإعلامى.
كأن وائل الدحدوح كان يعرف مستقبل ابنه فأسماه حمزة، وأنه سيسير على نهج أسد الله حمزة بن عبدالمطلب.
بعد أن ودع أسرته من قبل خرج لينقل أخبار غزة، وبعد أن ودع ابنه حمزة وصلى عليه خرج على الهواء لينقل أخبار حمزة وغزة، صلابة نادرة.
«حمزة ليس بعضى، ولكنه كلى، أنا حمزة، وحمزة أنا»، كلمات تدمى القلوب، قالها الدحدوح وهو يودع ابنه.
بكى الدحدوح يوم مقتل أسرته قائلا «إن دموعى لا ينبغى أن تفسر على أنها دموع الانهيار والخوف، فليخسأ جيش الاحتلال»، كلمات قوية من محارب قوى لا تنكسر إرادته.
تعرضت للقتل ورأيت استشهاد سامر، وأصبت إصابات مؤثرة فلم تستسلم، ودعت سامر، وجاء الاختبار الأكبر والامتحان الأعظم، فقد الابن الذى امتحن به سيدنا إبراهيم، قلت يومها مناشدا العالم الذى لا ضمير له «أتمنى أن تكون دماء ابنى حمزة آخر الدماء من الصحفيين والناس فى غزة».
الجميع قد يصبر على المحن إلا عند فقد الابن، خاصة إذا كان استهداف الابن بصاروخ مباشر أحرق جزءًا من جسده.
الدحدوح رفض أن يرحل عن غزة، ويمنح الصهاينة فرحة المغادرة.
فى زمن الخضوع والخنوع وفى زمن الصحافة الصفراء، وفى زمن الإعلام الذى يهتم بأقدام اللاعبين وبطلاق وزواج الفنانات أكثر من قضايا وهموم الوطن، صعد الدحدوح إلى منصة التتويج المشرف فى مسابقة الصدق والأمانة والشرف الإعلامى وخدمة الأوطان.
وائل الدحدوح صفعت ببطولتك وجوه الإعلاميين المتاجرين بآهات الناس وآلامهم والبائعين لضمائرهم فى سوق النخاسة الإعلامى.
لم يكن مع الدحدوح لا مدفع ولا بندقية ولكن كلماته ورسائله الإعلامية كانت كالرصاص فى صدر الاحتلال الإسرائيلى، لقد فضح مسلسل الإبادة الإسرائيلية لأهل غزة بالصوت والصورة الحية.
رحم الله أسرتك وأهلك، وعوضك الله خيرا مما فقدت.