متى يكون الاصطفاف ومتى يكون الاختلاف؟
زياد بهاء الدين
آخر تحديث:
الإثنين 12 فبراير 2018 - 11:00 م
بتوقيت القاهرة
المعركة التى يخوضها الجيش المصرى والشرطة ضد الاٍرهاب فى سيناء لم تأت مفاجأة، بل كانت متوقعة منذ أعلن السيد رئيس الجمهورية عزمه على القضاء على الاٍرهاب خلال ثلاثة أشهر من وقوع مذبحة مسجد النهضة بشمال سيناء يوم ٢٤ نوفمبر الماضى. المفاجأة ربما كانت فى حجم العملية «سيناء ٢٠١٨» التى يبدو أنها تتجه لاقتلاع الاٍرهاب من جذوره وغلق منافذ دعمه من الخارج. وهذه أهداف قومية تستحق الدعم والاصطفاف الوطنى وراءها فى مواجهة خصم حصد فى السنوات الماضية أرواح مئات الأبرياء ونجح فى تعطيل النشاط الاقتصادى للبلد وتهديد أمنه واستقراره. لهذا فليس غريبا أن يكون رد الفعل السائد فى البلد هو المؤازرة للجيش والشرطة وللجنود والضباط الذين خرجوا صباح الجمعة الماضية واضعين أرواحهم على المحك فى معركة بالغة الخطورة والأهمية.
مع ذلك فإن أصواتا كثيرة، خاصة بين الشباب، عبرت عن مخاوفها من أن يكون وراء هذه العملية العسكرية الكبرى أهداف مغايرة، أو إضافية، مثل كسب المزيد من الدعم للشعبى للحملة الانتخابية الرئاسية، أو استغلال رهبة المعركة من أجل إسكات الأصوات المعارضة، أو التمهيد لتنفيذ صفقة إقليمية على أرض سيناء، أو غير ذلك مما جرى تداوله على صفحات التواصل الاجتماعى. وفى تقديرى أن هذه المخاوف جديرة بأن تؤخذ بجدية من جانب الدولة وتجد ردودا وإيضاحات ــ حينما يكون ذلك ممكنا ــ تدعيما لوحدة الصف، بدلا من تجاهلها أو اتهام أصحابها بالخيانة والانحراف، لأن الجمهور الذى أقصده هنا ليس ممن يتعيشون على الإضرار بالبلد ويتمنون هزيمته كى تتاح لهم فرصة العودة للساحة السياسية، بل من شباب متحمس وغيور على بلده ولكن ليست عنده ثقة فيما يصدر عن المسئولين من بيانات وتصريحات.
أما على المدى الأطول فإن حالة الانفصام بين ما تعبر عنه وسائل الإعلام الرسمية وبين ما يجرى تداوله فى الفضاء الإلكترونى، ليس فقط بالنسبة للمعركة الدائرة حاليا على أرض سيناء ولكن فى كل مرة يتعرض فيها الوطن لحدث جلل، ترجع إلى غياب ضوابط الاتفاق والاختلاف فى الساحة السياسية.
•••
كل مجتمع ناضج سياسيا تحكمه ضوابط بشأن ما يقال وما لا يقال، والتوقيت المناسب وغير المناسب، وأصول الانتقاد من جانب المعارضة والرد عليها من جانب الدولة. هذه الضوابط والأصول ليست بالضرورة أحكاما قانونية تطبقها المحاكم، بل إنها تكتسب احترامها وفاعليتها من التزام جميع الأطراف بها ومن اعتبارها ميثاقا أخلاقيا يحترمونه جميعا فيحترمهم الناس. ومخالفتها، وإن كان لا يترتب عليها العقاب الجنائى، الا أنها تفقد من يرتكبها المصداقية والاحترام بين الناس.
أهم هذه الضوابط أن الخلاف والانقسام جائزان فى كل وقت وكل موضوع بل ومطلوبان لأن تعدد الآراء يحقق المصلحة العامة. ولكن حينما تتحرك القوات المسلحة لأية دولة نحو ساحة الحرب وحينما يكون جنودها فى قلب المعركة، يكون من الضرورى عندئذ التحفظ فى الكلمة، والتحسب قبل إبداء الآراء المتسرعة، والوقوف وراء المقاتلين دون تردد أو شرط مسبق دعما لهم، وتدعيما لوحدة الصف، واحتراما لزملائهم وأهلهم الذين لا يعرفون إن كانوا يعودون سالمين أم مصابين أم ملتحفين بالعلم.
ما سبق لا يعنى التخلى عن أى موقف مبدئى بشأن الحريات العامة أو احترام الدستور، ولا التسليم بأن سياسات الدولة الاقتصادية والاجتماعية أصبحت بمنأى عن الانتقاد، ولا إعطاء الحكومة مطلق الحرية لتتصرف كيفما يحلو لها. ولكن لكل مقام مقال.
أتصور أن هناك من يقرءون هذا الكلام ويعتبرونه تصورا مثاليا عن الحوار والجدل ومواثيق الشرف فى ظل التدهور الشديد للخطاب السياسى فى مصر وبالذات من جانب المحسوبين على الدولة، شاءت (أى الدولة) أم لم تشأ. ومعهم حق. فكيف يلتزم المواطنون والكتاب والمعلقون المستقلون بأصول الحوار والخلاف إن كانت الدولة صاحبة السطوة والسيادة غير مكترثة بها؟ ولكن علينا أن نبدأ من مكان ما، ولا مكان أفضل من نبدأ بأنفسنا، وأن نتمسك بالارتقاء بمستوى الحوار الوطنى وأن نقدم مثالا للانضباط فى الكلام ومراعاة أصول الخلاف، وهذه مساهمة شديدة التواضع مقارنة بما يقدمه آخرون يحاربون على الجبهة.
•••
حفظ الله الوطن وأعاد لنا الشباب الأوفياء المشتبكين فى معركة يتعلق بها مستقبلنا جميعا.