أخيرا عادل عصمت
سيد محمود
آخر تحديث:
الثلاثاء 12 فبراير 2019 - 10:05 م
بتوقيت القاهرة
غمرتنى فرحة كبيرة مع الإعلان عن وجود رواية «الوصايا» للكاتب المصرى عادل عصمت ضمن قائمة الروايات المرشحة لنيل جائزة البوكر هذا العام، واعتبرت انا وكثيرون أن مجرد بلوغه حد المنافسة إلى جوار أسماء كبيرة هو بحد ذاته نوع من الفوز.
ومن المؤسف فى نفس الوقت إننا قد نضطر فى محافل كثيرة للتعريف بالكاتب الذى أصبح على مشارف الستين ولا يزال اسمه غير معروف إلا فى دائرة محدودة من القراء والمهتمين ما يجعلنا نترحم على زمن صنع فيه يوسف ادريس نجوميته كاملة وهو على مشارف الثلاثين وعلى نجيب محفوظ الذى اهتمت جريدة الاهرام زمن حسنين هيكل بتنظيم الاحتفال بعيد ميلاده الخمسين بعد ان تحول من كاتب روائى إلى مؤسسة.
وأنت عزيزى القارئ إذا بحثت عن اسم عادل عصمت فى محركات البحث فلن تجد مقالا نقديا لأحد الأسماء المعروفة يتنبأ له بالمكانة التى بلغها، فهو الكاتب الذى لا يدين لأحد غير القراء الذين ساندوه وكشفت عنهم وسائل التواصل الاجتماعى، فهو الكاتب العصامى بكل ما تعنيه الكلمة.
وباستثناء بضع مقالات متناثرة تعد على أصابع اليد الواحدة يمكن القول أن اسمه هو صناعة خالصة للقراء، ولهم وحدهم كل الفضل فى تكريسه هم ومن آمن به من الناشرين سواء فى ماضيه مع دار شرقيات التى قدمته مع كتاب جيله من أبناء الثمانينيات ونشرت له (الرجل العارى، وحياة مستقرة، وايام النوافذ الزرقاء) أو فى حاضره مع دار(كتب خان) التى نشرت له (الغراب وحالات ريم وحكايات يوسف تادرس) وكل هذه الأعمال وجدت تقديرا يمكن أن تلمسه على المنصات الإلكترونية المعنية بالقراءة عبر تعليقات نوعية لا يمكن حشرها مع قراء الـ«بيست سيللر».
وبفضل هؤلاء وجد الكاتب الذى كان يعمل فى صمت وينتج فى دأب نادر التعويض المعنوى الذى مكنه من تجاوز الكثير من نوبات الإحباط التى لاحقته وانتصر عليها وبقى على حاله وفِى حاله داخل مدينته الصغيرة طنطا راضيا باختياره وهذه ايضا تجربة فريدة فى الانتصار على مركزية القاهرة، ربما لم تنجح الا فى حالات نادرة مع علاء خالد المتحصن بالإسكندرية وأحمد ابوخنيجر المسكون بأسوان، لكنهما أيضا كانا جزءا من سياق أو من مجموعات ادبية فاعلة داخل تحولات الادب المصرى منذ أواخر التسعينيات فى حين يبدو عادل عصمت فريدا فى عزلته وأكثر ميلا للنزوع الفردى اكثر من الانتماء لأى جماعة أو كيان وبالتالى فالكتابة كانت هى القبيلة او العزوة التى انتمى إليها وأعطت له اخيرا قدرا من التقدير تكلل بخبر الترشح للبوكر وهى جائزة ستأخذ اسمه لفضاء اكبر، وتضع عمله بين دائرة أوسع من القراء وهذه هى المكافأة التى ينتظرها أى كاتب.
صحيح انه فاز من قبل بجائزة الدولة التشجيعية عن رواية بديعة اسمها (أيام النوافذ الزرقاء) دار شرقيات ونال جائزة نجيب محفوظ قبل عامين عن روايته اخرى ساحرة هى (حكايات يوسف تادرس) إلا ان البوكر لها جماهيرية لا يمكن مقاومتها لكونها الجائزة العربية الأكثر شعبية والأكثر اثارة للجدل.
وما يعنينى أنا وقراء عادل عصمت أن ترشحه للفوز جاء بعد كثير من الدأب والمعافرة والاشتغال على مشروع واضح المعالم، أسميه بسرد المحليات الذى يعتنى بعالم الضواحى المحيطة بالمدن الصغيرة التى لم تبلغ ما بلغته القاهرة والإسكندرية وظلت بين حائزة بين الاستسلام لسكون الريف وبين تطلع سكانها لزحام المدينة.
ومن يقرأ روايته (الوصايا) لن يملك القدرة على الافلات من عالمها الآسر المشغول بالكثير من الانضباط السردى، كما لا يمكن له ان يتفادى نبرة الشجن التى تميزه أعماله وتعتنى بالأثر الذى يتركه الزمن فى الأرواح والأماكن ويصعب فى كتاباته تجنب حس المؤرخ الوجدانى الذى ربما ينشغل بصدى الاغنية اكثر من الإنصات لعذوبة الصوت، انه ببساطة مهتم باقتفاء الأثر ومتابعه خطوط الزوال، ويا لها من مهمة صعبة!