صفات الباحث الناجح
محمد زهران
آخر تحديث:
السبت 12 فبراير 2022 - 8:25 م
بتوقيت القاهرة
لا تَعتبر هذا المقال نصيحة، أولا لأن الجيل الجديد لا يعترف ولا يأخذ بالنصيحة المباشرة ولهذا أسبابه التى لن نناقشها الآن، وثانيا أن لكل شخص تجربته الذاتية فمن أفادته طريقة ما قد تضر آخر، ثالثا فى بلادنا الشرقية الجيل الأقدم فى الغالب لا يقبل نصيحة ممن هم أقل منه سنا إلا القليل منهم وهذا أيضا لأسباب قد يطول شرحها لكننا ناقشناها فى ثنايا مقالات عدة سابقة مثل مقالنا عن عنصر الخبرة مثلا، هذا المقال يعتبر تلخيصا من قراءات كاتب هذه السطور عن سير الباحثين فى المجالات العلمية، قد تبدو كل قصة حياة باحث من هؤلاء مختلفة لكن مع بعض التدقيق سنجد بعض الصفات المشتركة، ما هى هذه الصفات وكيف تؤثر على عملية البحث العلمى؟ هذا موضوعنا اليوم.
الفضول هو الوقود الأساسى للبحث العلمى، إذا طلبت منى أن أختار صفة واحدة فقط للباحث الناجح فهى الفضول، وهى القدرة على عمل تجارب أو التفكير فى قوانين علمية جديدة دون انتظار عائد أو نتيجة قريبة، فى العام 1839 قام الشاب الفرنسى الصغير الكسندر بيكيريل بعمل تجربة وجد من خلالها أن الخلية الكهربائية تولد طاقة أكثر عندما تتعرض للشمس (فى هذا الوقت كان الباحثون لا يزالون فى بداية فهمهم للكهرباء والمغناطيسية)، بعد حوالى أربعين سنة اكتشف الباحثان وليام آدمز وريتشارد داى التأثير الضوئى على تلك الخلايا، احتاج الأمر ربع قرن آخر حتى شرح آينشتاين السبب فى إحدى أوراقه العلمية سنة 1905 (السنة المعجزة لآينشتاين كما يسميها كُتاب سيرته)، كل تلك الاكتشافات لم تصل إلى الناس حتى صنعت معامل بل أول خلية شمسية فى خمسينيات القرن العشرين، إذا ما الذى دفع كل هؤلاء الباحثين إلى العمل إذا لم يكن الفضول العلمى وليس البحث عن الجاه والثروة؟
الصبر هى الصفة الثانية، إذا أخذنا اكتشاف أدوية جديدة كمثال فالموضوع قد يأخذ من الباحثين عشر سنوات وفى النهاية لا تتم الموافقة عليه لأسباب عديدة، فإن لم تتحل بالصبر فقد تشعر بالغضب أو اليأس مما يعوق عملك المستقبلى.
الشجاعة صفة أخرى يجب أن يتحلى بها الباحث حتى يتمكن من الدفاع عن فكرته أمام المتشككين وأيضا حتى يتمكن من القيام بتجارب قد تكون خطرة فى بعض الأحيان ولنا فى مارى كورى المثال الواضح أولا فى اقتحام مجال البحث العلمى وكان حكرا على الرجال آنذاك لكنها حاربت وحصلت على الدكتوراه ثم على عمل فى البحث العلمى، وتجلت شجاعتها مرة ثانية فى العمل مع مواد مشعة حتى إن كراسات أبحاثها التى كتبتها بخط يدها ما زالت مشعة حتى يومنا هذا ومخزنة فى صناديق من الرصاص فى فرنسا.
الاهتمام بالتفاصيل هى العدسة المكبرة التى بها يرى الباحث اكتشافه، الاكتشافات الكبيرة تأتى من التفاصيل الصغيرة، عادة من يهتم بالنشر العلمى من أجل الترقية أو المنظرة لا يهتم بالتفاصيل الصغيرة لذلك تأتى أبحاثه ضعيفة المستوى وتنشر فى مجلات ضعيفة (أو فى مجلات أو مؤتمرات قوية باستخدام سلطته أو شبكة علاقاته، نعم هذا يحدث فى بعض الأحيان للأسف) لكنه لا يصل أبدا إلى اكتشاف قوى أو تكنولوجيا مفيدة حتى لو وصل لأعلى المناصب وظهر فى البرامج التليفزيونية والصحافة، العالم ملىء بتلك النماذج التى تحسن الكلام والكتابة أكثر مما تحسن البحث العلمى.
الصفة الأخرى هى تفكيك القوانين والنظريات العلمية لمكوناتها لفهمها بعمق أكثر وهذا ما كان يفعله الفيزيائى العظيم ريتشارد فاينمان، عندما كان يتعلم قانونا علميا جديدا لم يكن يأخذه كما هو ويتعلم استخدامه فقط كما تفعل أغلب الأنظمة التعليمية الآن للأسف، بل يقرأ عن تاريخ هذا القانون وكيف تم التوصل إليه وكيف يمكن استنتاجه من المعارف الأولية إلخ، ولفاينمان مقولة شهيرة أرجو أن يضعها جميع طلابنا نصب أعينهم: «هناك فارق كبير بين معرفة شىء ومعرف اسم الشىء»، معرفة الأسماء وتسميع القوانين والمعلومات قد تنفع فى برامج المسابقات لكنها لا تنتج باحثا حقيقيا.
أخيرا وليس آخرا صفة الشك محمودة جدا فى البحث العلمى، يجب أن تتشكك فى كل بحث وتتساءل عن كل شىء بغض النظر عن مؤلف البحث، هناك نظريات ظن الباحثون أنها حقائق لعشرات السنين حتى أتى باحث متشكك كشف حقيقة مختلفة، مثلا ظن الباحثون أن الالكترونات مجرد كرات صغيرة تدور فى حلقات حول مركز الذرة حتى جاءت نظريات ميكانيكا الكم لتهدم تلك الفكرة، ولا نعرف ما سيأتى به المستقبل.
هل لاحظت أننى لم استخدم كلمة «عالم» مرة واحدة فى هذا المقال؟