سميرة والتنين
وائل قنديل
آخر تحديث:
الثلاثاء 13 مارس 2012 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
لا تنفصل مأساة أو ملهاة قضية سميرة إبراهيم وضحايا كشوف العذرية فى السجن الحربى، عن ملهاة تسكين رجال أحمد أبوالغيط وحسنى مبارك فى مواقع دبلوماسية مهمة فى سفارات مصر بالخارج التى اعتمدها المشير أمس.
فالواضح تماما أن السلطة الحاكمة تتصرف الآن وكأنها امتلكت الأرض ومن عليها من بشر، وبالتالى تسلك على نحو يكرس هيمنتها على مقاليد الأمور، ويتيح لها ما تتخيل أنه إمكانية سلخ الثورة وتقطيعها بعد ذبحها.
فى قضية سميرة إبراهيم جرى الأمر على طريقة البلد بلدهم والدفاتر دفاترهم، لتجد الفتاة الصغيرة نفسها فى مواجهة تنين ضخم، وكما عبرت هى بعفوية عن ذلك فقد كانت تواجه الخصم والحكم معا.. غير أنك لا تملك إلا أن تشعر بالأسى والخجل وأنت ترصد علامات نشوة الانتصار على بنت صغيرة، وكأنهم عائدون مظفرين بالنصر على أعتى جيوش العالم، بما يأخذك مباشرة إلى ذكريات أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء السوداء، حين كانت البيادات تتلذذ بفعص كرامة المصريين، وتلقى بها فى القمامة.. وكأنهم فى معركة ضد عدو.
وفى مسألة تعيين رجل خارجية مبارك وأبوالغيط فى سفارات مهمة تبدو القصة واضحة لا لبس فيها، كاشفة عن اتساق تام مع قيم وروح عصر ما قبل ثورة ٢٥ يناير، تأكيدا لواقع أن نظام مبارك لم يسقط ولم يذهب، بل كان فى حالة كمون مؤقتة تأهبا للانقضاض من جديد.
والحاصل أن معطيات الواقع السياسى طوال المرحلة الانتقالية تنطق بأن مصر الآن تبدو فى حالة ارتداد كامل عن كل ما قامت من أجله ثورتها، بعد انتهاء فترة الاحتواء المزدوج لها من خلال ذراع برلمانية خيبت الآمال، وذراع رئاسية تشى المقدمات الخاصة بها بأن المخطط أن يصحو المصريون على رئيس منزوع الأنياب والمخالب، مجرد واجهة لحكم عسكرى يتغلغل ويتوغل الآن فى كل مفاصل حياتنا، حيث تجرى عملية عسكرة ممنهجة للمناصب المدنية العليا، ولعل صدور قرار التعيين الثالث للواء طارق المهدى محافظا لبورسعيد مجرد نموذج.
ومن العبث أن يأخذ أحد ما قيل فى موضوع سفر المتهمين الأمريكيين من أنه شأن قضائى بحت على محمل الجد، ويتعامل معه على أنه حقيقة، فالقرار هوى من القمة على رأس القضاء الذى يمور الآن بالغضب على إهانته، ويتداعى قضاة الاستقلال الآن لجمعة حاشدة هذا الأسبوع.
وأزعم أن جمعة كهذه لا تخص القضاة وحدهم، ذلك أن قضاء مستقلا يعنى حياة كريمة ولقمة شريفة وعدالة اجتماعية لكل المصريين.