صديقاتى من الطبقة الوسطى

سارة خورشيد
سارة خورشيد

آخر تحديث: الأربعاء 12 مارس 2014 - 5:35 ص بتوقيت القاهرة

أتوجه بكلامى إلى الصديقات والرفيقات فى محيط دائرة علاقاتى من الطبقة الوسطى. عادة ما نتحدث معا عن أحوالنا العادية ويوميات أولادنا فى مدارسهم ومدى تقدمهم فى تمريناتهم الرياضية، وغير ذلك من أمور متعددة.

وطبعا، نتطرق إلى السياسة أحيانا، هذا الموضوع الذى صار لنا ثلاث سنوات نتحدث عنه، إما لأنه شغلنا الشاغل فعلا أو لأن السياسة فرضت على الجميع فرضا منذ اندلاع الثورة ولا مفر من الحديث عنها ــ على الأقل لأن جميعنا يحتاج للتخطيط لكيفية قضاء يوم الجمعة ومعرفة ما المتوقع بالنسبة للمظاهرات والاشتباكات فى هذا اليوم.

بدورى أتفادى التطرق معكم للسياسة قدر المستطاع. رغم أن طبيعة عملى تطلب منى الكلام عنها فى الصحف إلا أننى أتفادى الكلام عنها معكن وجها لوجه كى أمنع وقوع أى ضيق بيننا أو أن تشوب علاقاتنا شائبة.

•••

رغم ذلك أتوقع أن تكن وصلتن بالفعل لاستنتاج ما ــ على الأقل عن طريق كلامى بشبكات التواصل الاجتماعى ــ أن رأيى يختلف مع الرأى السائد فى دائرة علاقتنا. فأنا لست من المعجبين بالفريق عبدالفتاح السيسى، ولا من المولعين بحب «جيشنا» و«شرطتنا»، ولا من مشجعى حربهم على «الإرهاب». وذلك لا يعنى أننى مؤيدة للإرهاب، أيا كان وبغض النظر عن الطرف الذى يرتكبه، لكننى أيضا لا يمكننى أن أقبل بتشجيع حرب باتت مبررًا لتمادى النظام الحاكم فى تحدى مبادئ العدل ودولة القانون. أعلم أن بعضكن يرى تمسكى بدولة القانون فى إطار كونى أتبع «الحقوقيين». دعونى أستغل تلك الفرصة لكى أوضح أن المطالبة بدولة القانون هى أمر بسيط جدا وأساسى وليس مرتبطا بفئة معينة. إن الأمر يتعلق برغبتكن فى محاسبة من يعتدون على رجال الشرطة والجيش مثلا.. أى نعم. دولة القانون تعنى محاسبة من يعتدى على الجيش والشرطة، فهى تعنى تطبيق القانون على الجميع، بدون تمييز فئة دون الأخرى. والوجه الآخر لذلك هو أنه عندما يخطئ أحد رجال الشرطة أو الجيش فيجب أن يتلقى العقاب الذى ما يمليه القانون. لكننى للأسف أرى أن بعضكن ينادى بتطبيق القانون على من هم ليسوا من الجيش والشرطة فقط. تقلن إنكم لا تمانعن مبدأ «من ارتكب خطأ يحاسب عليه حتى لو كان شرطيا أو عسكريا» ــ لكن فى الواقع كلما سمعنا عن انتهاكات جديدة من قبل الجيش أو الشرطة تحاولن إنكارها وتستنتجون سريعا أنها محض شائعات، وإن أثبت لكن بالأدلة والفيديوهات أنها ليست شائعات تسارعن لتبريرها بحجة أن مصر تخوض حربا على الإرهاب. وطالما يا صديقاتى وافقنا على تبرير مخالفة مبدأ القانون بحجة الحرب على الإرهاب، فلنواجه الحقيقة: مصر ليست دولة قانون. مصر دولة كوسة. كل منا يعلم ذلك فى قرارة نفسه.

وهنا يكمن اهتمامى بما يسمى بالحقوق. آمل فى أن تصبح مصر يوما ما دولة قانون، ولدى قناعة أن ذلك لن يحدث إلا عندما نطالب به ونصر عليه، لذا فأنا أطالب بهذا الهدف وأصر على الوصول إليه. ولن أصل إليه وحدى لكننى أرجو أن تقتنعن به مثلى يوما ما لأنه فقط عندما نتحد ونكون كتلة قوية سننجح فى أن نغير أوضاع مصر إلى الأفضل.

قد ترينه أملا بعيدا وغير واقعى، وأرى أنه لا مفر لى من السعى للوصول إليه. فإن كنا منبهرين بالدول الغربية، بجمالها ونظامها وتقدمها، وإن كان بعضنا يسعى لإنجاب أطفاله فى تلك الدول كى يحملوا جنسية أحدها، وبعضنا الآخر يسعى فى زيارة تلك الدول للفسح والتسوق، فمن باب أولى أن نصرّ أن تكون بلدنا الحقيقية أفضل من تلك الدول «أد الدنيا» وأكثر نظاما ــ والنظام هو فى جوهره دولة القانون. دولة القانون هى الدولة التى تتبع نظاما معروفا وتطبقه على الجميع، وفى جميع الحالات.

أعلم أن منكن من تفكر الآن فى أنه يوجد إرهابيون يريدون «حرق مصر»، وأنه فى مثل هذا الظروف يجب أن نتغاضى عن استثناءات للجيش والشرطة كى يتمكنوا من قمع الإرهاب. أنتن أيضا ترددن ما يقال فى الإعلام عن أن الدول المتقدمة تتغاضى عن القانون أثناء حربها على الإرهاب. الحقيقة أن من قال ذلك فهو إما كاذب أو أنه على غير دراية حقيقية بأحوال تلك الدول. أتحدث عن بريطانيا والدنمارك والسويد مثلا، ولا أتحدث عن الولايات المتحدة الأمريكية لأن سمعتها فى احترام حقوق الإنسان متدنية (رغم أن حالها أفضل من حالنا بمراحل). فمثلا، عندما اندلعت تفجيرات يوليو 2005 فى لندن ووجدت بريطانيا نفسها فى حرب على الإرهاب، حاسبت بريطانيا الإرهابيين الذين فجروا العشرات من المدنيين فى مترو الأنفاق والأتوبيسات (حاولوا القيام بتفجيرات أخرى) فى إطار القانون والعدل والقضاء. لم تعتبر السلطات البريطانية أن ما تعرضت له البلاد من إرهاب يبرر قتل عشرات أو مئات أثناء ملاحقة الإرهابيين. بل إنه عندما قتلت الشرطة مواطنا واحدا عن طريق الخطأ ــ لتشابه ملامحه مع صورة كانت لدى الشرطة لأحد الذين قاموا بمحاولة تفجير إرهابى فى لندن ــ واجهت الشرطة البريطانية غضبا شعبيا وإعلاميا عارما أدى لاستقالة رئيس الشرطة، وقامت بتحقيق فى الحادث دفعت الشرطة على أثره تعويضا ماليا كبيرا لأهالى الضحية (ضحية حرب بريطانيا على الإرهاب). قدرت صحيفة الديلى ميل هذا التعويض بحوالى مائة ألف جنيه إسترلينى.

قد تقلن إن هذه بريطانيا، وأنا أقول إن هذا هو العدل. من يخطئ يحاسب. وهذه هى قيمة النفس التى حرم الله إلا بالحق. فلا يحق أن تقوم الشرطة المصرية بقتل عشرات فى الشوراع (أثناء مظاهرة مثلا) لأن من بينهم أفراد إرهابيون. ما بالكن أنه كان من بينهم أحد المارة أو الأبرياء قتل عن طريق الخطأ؟ ستقولن أن من قتله الإخوان، وتدعون أن من قتل كل ضحايا مصر على مر الزمان والمكان هم الإخوان. وأنا أقول لكن إن الإخوان ليسوا ملائكة لكنهم أيضا لا يمتلكون تلك القوى الخارقة لاعتبارات الطبيعة كما يدعى البعض. ولا يجوز قتل أو حبس إخوانى ــ أو غير إخوانى ــ إلا إذا ثبتت عليه تهمة بعد إجراء تحقيق وبمحض حكم قضائى عادل. ويجب أن يتم اتباع نفس الأسلوب مع من يخالف القانون من الداخلية، وهو ما لم يحدث قط.

فى النهاية، أعتذر مقدما لأننى مضطرة للاستمرار فى الاعتراض وهو ما قد يؤدى لزعزعة الاستقرار. إن كنتن تظنن أن القبض على الناس وقتلهم بالجملة سيؤدى لتحقيق الاستقرار أو سيجعل من مصر دولة «أد الدنيا» فيؤسفنى أن أقول لكن إن الاستقرار المبنى على الظلم هش وقصير الأجل، شئنا أم أبينا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved