استخفاف فى غير محله
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
السبت 12 مارس 2016 - 10:00 م
بتوقيت القاهرة
إلى من يدفنون الرءوس فى الرمال ويصرون على اجترار خطاب «الإنكار الرسمى» بشأن انتهاكات حقوق الإنسان التى تشهدها مصر، باتجاههم أسجل أن الاستخفاف بالإدانة الدولية المتكررة وهى تأتى من جهات حكومية وغير حكومية متنوعة لن يذهب بهم بعيدا مثلما لن يجدى توصيفها المتهافت كدليل على «تآمر الجميع علينا» وعلى «مؤامرات الشر التى تريد إسقاط الدولة» وبالقطع تدمير المجتمع.
فالأمر لا يقتصر على توصية البرلمان الأوروبى لحكومات الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى قطع المساعدات عن مصر إلى أن تتحسن «أوضاع حقوق الإنسان» بها، تلك التوصية التى أصدرتها أغلبية ساحقة من البرلمانيين الأوروبيين بعد مناقشة لحادثة قتل باحث الدكتوراة الإيطالى جوليو ريجينى.
بل تتوالى، على مستوى الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة كالمجلس الأممى لحقوق الإنسان، التصريحات والتقارير السلبية بشأن «سجل الحكومة المصرية» فى مجالات صون حقوق وحريات المواطن واحترام سيادة القانون. وتواصل أيضا منظمات غير حكومية عاملة دوليا إصدار بيانات تدين الممارسات القمعية الصارخة . وتكثر البرلمانات المنتخبة فى بعض الدول الغربية من تنظيم جلسات استماع عن «الأحوال المصرية» تخفت بها أصداء حديث «الحرب على الإرهاب فى الشرق الأوسط» وأولوية دعم نظام الحكم فى مصر، بينما تتعالى الأصوات الرافضة لتجاهل القمع . وتكتمل حلقات الإدانة بالعديد من التقارير التى تنشرها الصحف ووسائل الإعلام العالمية، وتصنف الحكومة المصرية فى خانة «كبار منتهكى الحقوق» إن بشأن عدد الصحفيين المسلوبة حريتهم أو بشأن عدد حالات الاختفاء القسرى المتداولة معلومات عنها أو بشأن تعقب المدافعين عن الديمقراطية وعن النشاط المستقل لمنظمات المجتمع المدنى أو بشأن القتل خارج القانون والتعذيب.
من يستخفون بإدانة البرلمان الأوروبى أو يصمونها كدليل «مؤامرة جديدة» لن تذهب بهم كلماتهم بعيدا. باختصار، لأن إدانة الممارسات القمعية والانتهاكات التى يتورط بها الحكم فى مصر أصبحت حالة دولية أطرافها برلمانات وحكومات ومنظمات غير حكومية ووسائل إعلام. من يجترون خطاب «الإنكار الرسمى» بمفرداته، كالزعم بكون الانتهاكات لا تعدو أن تكون «تجاوزات فردية» أو الدفع بإمكانية «تعرض أى مواطن مصرى لحادثة مشابهة لحادثة قتل جوليو ريجينى» أو استدعاء مقتضيات الحرب على الإرهاب والأعداد المتزايدة لشهداء القوات المسلحة والشرطة، لن تذهب بهم الحجج والمبررات التقليدية بعيدا. فلا مقولة التجاوزات الفردية قابلة للتسويق المحلى أو الدولى، ولا تناقض على الإطلاق بين إدانة الإجرام الإرهابى الذى يسقط شهداء الوطن والواجب فى سيناء ومواقع أخرى وبين رفض المبررات الواهية للقمع الرسمى والمظالم والانتهاكات الناجمة عنه. أما من يتجاهلون حالة الإدانة الدولية «لسجل الحكومة المصرية» فى مجالات صون الحقوق والحريات ويدفعون بإمكانية الاكتفاء بتأييد بعض حكومات القوى الكبرى كالحكومة الروسية والحكومة الصينية غير المكترثتين بحقوق الإنسان لا فى داخل مجتعماتهما ولا خارجها أو بعلاقات التحالف الإقليمية، فهم أيضا واهمون. فمن جهة، تظل حكومات الديمقراطيات الغربية أكثر أهمية اقتصاديا وتجاريا وعسكريا لمصر إذا ما قورنت بروسيا أو الصين. ومن جهة أخرى، يقضى تصنيف نظام الحكم فى مصر فى خانة «كبار منتهكى الحقوق» على الفرص الفعلية لصناعة انطباعات إيجابية فى الخارج عن أحوالنا الراهنة ويفرض من ثم الكثير من القيود المؤلمة على علاقتنا بالعالم إن فى مجال التعاون العلمى والتكنولوجى أو لجهة تنشيط السياحة العالمية أو فيما خص التبادل البحثى والأكاديمى. والأخير شرعت بعض التجمعات الأكاديمية الأمريكية والأوروبية فى إلغاء برامجه بعد حادثة قتل ريجينى.