سعد قال: «مفيش فايدة»
سيد محمود
آخر تحديث:
الثلاثاء 12 مارس 2019 - 8:30 م
بتوقيت القاهرة
سألنى صديقى الذى أحبطه المسار السياسى الذى انتهت إليه ثورة 25 يناير 2011: « يبدو أن هناك مبالغة كبيرة فى الاحتفال بمئوية ثورة 1919» فقلت: «لا والله الموضوع فعلا يستاهل».
وخضنا فى مناقشات عدة حول الثورة استعدت فيها كل ما تعلمته من أستاذى الراحل الدكتور رءوف عباس عما أنجزته أحداث مارس 1919 من تغييرات فى البنية السياسية الحاكمة حيث تحولت مصر لمملكة مصرية بعد ان كانت ولاية عثمانية فضلا عن إحداث تغيير واسع فى النظام الاجتماعى وفى شكل علاقات مصر بمحيطها الدولى والاقليمى وهو ما ساعد فى إفراز نخبة فكرية وسياسية وثقافية جديدة تحملت عبء التغيير حتى سنوات الستينيات.
وأوشك صديقى المحبط أن يقتنع بفعل الثورة فطمعت فيه أكثر وأخذته معى لمتحف بيت الأمة الذى سكنه الزعيم سعد زغلول فى العام 1901 بعد أن اشترى قطعة الأرض بعد حصوله على أتعابه كمحام فى قضية كبيرة، وفرت له المال الذى مكنه من بناء بيت يليق بزوجته صفية هانم ابنة مصطفى باشا فهمى، الذى كان رئيسا لنظارة مصر (الحكومة) لنحو 14 عاما.
رغم قرب المتحف من محط مترو تحمل اسم الباشا الزعيم فى قلب منطقة الدوائر الحكومية قريبا من شارع قصر العينى وميدان لاظوغلى إلا أن صديقى لم يكن يعرفه وفرح بالفكرة
قلت له فى الطريق إن المنزل سمى «بيت الأمة» بعد واقعة طريفة، حدثت أثناء تأليف الوفد المسافر لمؤتمر الصلح بباريس فقد أثيرت مناقشات بين 4 من أعضاء الحزب الوطنى، الذى كان ناشطا قبلها، وقام أحد أعضائه بمهاجمة سعد بعنف فرد عليه الزعيم: «كيف تهاجمنى فى بيتى؟» فرد الطرف الثانى واسمه محمد زكى: «إنه ليس بيتك يا باشا لكنه بيت الأمة»، فراق مزاج سعد وسر لهذه التسمية.
دخل صديقى مبتسما وخرج مكتئبا بعد جولة ساعتين، فيما صرت أنا أكثر خجلا فقد رمى فى وجهى جملة منسوبة للزعيم: «مفيش فايدة» وكان لديه ألف حق حيث يعانى المتحف من كل أشكال الإهمال التى يمكن تخيلها ولولا حماس مديرته الدكتورة إخلاص فواز وتفانيها فى الشرح لاحتاج صديقى لمصحة علاجية.
استعرضت الدكتورة المقتنيات النادرة للمتحف بكفاءة الا أن جرحا كامنا فى صوتها لم تتمكن من التغلب عليه، وصل لحد الخجل من الحالة «جيم» التى وصل إليها المكان، فالسجاد المفروش فى الممرات والقاعات لا يليق بفراشة سرادقات العزاء كما لا تليق به وحدات الإضاءة أو اللمبات المعلقة فى النجف وهى من أكثر الانواع رداءة.
والمخجل أكثر الحالة التى تعانيها أطقم الصالونات والستائر داخل البيت، فلا توجد قطعة واحدة صالحة للفرجة، وتعانى الجدران وقطع الموبيليا من تساقط الطلاء حيث كانت آخر محاولة للدهان والترميم فى العام 2003 ومنذ ذلك التاريخ لم يعرف المتحف طريقا للنجاة من مصيره البائس.
وكنت أتوقع مثلا أن يكون وضعه فى خطة الترميم على رأس أولويات وزارة الثقافة خلال مناسبة استثنائية مثل مئوية الثورة لكن شيئا من هذا لم يحدث وكنت أتوقع أيضا أن تكون زيارته فقرة ضمن فقرات المؤتمر العلمى الذى أعده المجلس الأعلى للثقافة لهذه المناسبة ويبدأ السبت المقبل، لكن الوزارة تعلم أكثر من غيرها أن حالة البيت «تكسف».
وما يخجل أكثر من موقف الوزارة التى يمكن أن تتحجج بضيق ذات اليد هو موقف قيادات حزب الوفد التى ترضى عن هذا الإهمال الواضح وتكتفى كل عام بزيارة «تبرك» بالبيت والضريح ولم يفكر أحد فيها إطلاق حملة لترميم البيت وإعادة تأهيله ولو فى صورة اكتتاب شعبى يماثل ما جرى عند بناء تمثال «نهضة مصر» الذى لا يزال شاهدا على عظمة ما جرى.