قوة «فيس بوك»
سامح فوزي
آخر تحديث:
الثلاثاء 12 مارس 2019 - 8:30 م
بتوقيت القاهرة
أعرف أن «فيس بوك» شأنه شأن أى منبر يطل منه الشخص محل خلاف، ويثار من آن لآخر جدل حول المنصات الإعلامية أيا كانت إلكترونية أو فضائية أو مطبوعة، ولكن أكثرهم إثارة بالطبع هو «فيس بوك» لعدة أسباب منها يسره، وسهولة استخدامه، والتفاعل بين المشارك والمتلقى، فكل متلق هو مشارك، والعكس، ويمكن لأى شخص أن يعبر عن نفسه بالأسلوب، والطريقة التى تحلو له، حتى وإن كان فيها شطط أو غلو أو تجنٍ، فضلا عن أنه يعيد نشر كل ما تبثه أو تنشره وسائل الإعلام الأخرى، وأصبح مصدر معلومات لقطاعات من المجتمع، ومن اليسير على أى باحث اجتماعى نابه أن يعرف الخريطة الذهنية لقطاع من المجتمع، خاصة الشباب، من خلال تحليل محتوى عينة منتقاه من صفحات «فيس بوك»، سواء من حيث نوعية القضايا التى يطرحونها، أسلوب التعبير، مشاعرهم، اتجاهاتهم، ما يرضيهم، وما يزعجهم، إلخ. بالطبع، إن كان هناك من يستخدم «فيس بوك» فى نقل معرفة أو التعبير عن رأى، هناك من يستخدمه فى الجدل السخيف، أو السباب أو نشر شائعات أو بث التطرف، أو الاعتداء المعنوى على الآخرين، فهو فى النهاية منصة الكترونية تتيح إمكانية التعبير عن الذات، والتواصل مع الآخرين، وتبادل الآراء، لكن لا تخلو من مشكلات بالطبع ناتجة فى الأساس عن تراجع التعليم، وانخفاض منسوب الثقافة، والاحتقان الاجتماعى، إلخ.
ورغم كل ذلك، فإن «فيس بوك» له قوة، يعرفها جيدا من يتابعونه، وربما يلاحقونه، وقد ظهر واضحا الأيام الماضية قدرته على «المساءلة المجتمعية»، أى تصدى الناس أنفسهم لممارسة الرقابة، وتوجيه الاستفسار الممزوج بانتقاد لذوى المناصب، وامتحانهم فيما يتخذونه من قرارات. وجدت الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة نفسها فى مرمى النيران الإلكترونية، والتى امتدت إلى الفضائيات ومجلس النواب، عقب قرارها باستبعاد الدكتور جمال شعبان عميد معهد القلب من منصبه، وإحالته إلى التحقيق. واضح، رغم عدم معرفتى بالرجل من قبل، أن له مؤيديه، وجمهوره، وإنجازاته، وعلاقاته الطيبة، أما وزيرة الصحة فقد تعرضت لانتقادات شديدة، وهذه ليس المرة الأولى التى تواجه فيها مواقف صعبة مع الرأى العام إما بسبب قرارات أو تصريحات لها، أيا كان الموقف، والذى يستدعى تحقيقا لبيان حقيقة ما حدث، الطرف المخطئ، والطرف المحق. لكن ما يسترعى الانتباه أن المعركة أديرت بالكامل مع صفحات «فيس بوك»، تظاهرة الكترونية جاءت فى غالبها غير منظمة، تلقائية، دفاعا عن الدكتور جمال شعبان، واستهل كثيرون تعليقاتهم بعبارة أننى لا أعرف الرجل شخصيا، ثم يعددون مآثره.
هذه المعركة، التى لا نعرف مآلها فى النهاية، تكشف عن قوة «فيس بوك» من ناحية، وتكشف أيضا عن أمر مهم أن التأثير ينبع من نوعية القضايا المطروحة، والزخم الذى تتمتع به، ومصداقية الحديث عنها. فى أحيان كثيرة نثير موضوعات لا تهم أحدا، أو تتسم بالتفاهة، أو التكلف، أو التصنع، تحركها فى أحيان كثيرة ما يشبه «الجماعات الإلكترونية» التى تدير معركها فى الفضاء الإلكترونى، وليس على أرض الواقع، ولعل ذلك هو ما يؤدى إلى التشوش، وغياب الإدراك الصحيح للموضوعات، والابتعاد عما يهم المجتمع من قضايا.
ســـامــح فــوزى