صباح الصحة والسعادة أن يشيخ الإنسان فى كرامة.. طب الخريف
ليلى إبراهيم شلبي
آخر تحديث:
الجمعة 12 مارس 2021 - 9:40 م
بتوقيت القاهرة
يحلو للإنسان أحيانا أن يهرب من قسوة التعبير عما يتعلق بعمره، رغم قناعة داخلية تؤكد أنه يعرف جيدا أن لكل أجل كتابا. الواقع أننى الآن لا أتحدث عن الموت بل عن الحياة.. عن تلك المرحلة الرمادية التى يبدأها الإنسان بعد سنوات التوهج فى أيام الشباب والحكمة فى سنوات ما بعد الأربعين إلى أن يدق أبوابا متتالية بعد الخمسين.
اعتدت ألا أسأل مريضى عن عمره مباشرة، رغم أن هذا أول ما علَّمنا الأفاضل من معلمينا. لكنى دائما ما أحتال حتى أعرف كل ما أملك من رغبة فى كسب ثقة مريضى لكى أحدد سنوات عمره. قناعتى الشخصية أن العمر تحدده مرحلة وليس سنة محددة، فالآن نرى شبابا فى الستين من أعمارهم يدركون جيدا أن التدخين أذى، يجب تجنبه، وأن الحركة مفتاح الدورة الدموية النشطة، وأن أسلوب الحياة فيه الوقاية الحقيقية من أمراض العصر: ارتفاع ضغط الدم والسكر، وأن الغذاء المتوازن هو عماد الطاقة، لذا فإن العمر لا يخيفهم بل يجعلهم أكثر تمسكًا بالحياة التى يبدأون فيها مرحلة اجتمعت لهم فيها حكمة السنين، ومعرفة ما يجب التوقف عنده، وما يجب إهماله تماما من مغريات الحياة.. واكتملت لهم فيها الرغبة فى الاهتمام بكل ما يتعلق بالحفاظ على صحتهم النفسية والجسدية.
عزيرى القارئ، هذا هو تعريفى الخاص لما يطلق عليه طب الشيخوخة Geriatric Medicine. أسميه طب الخريف، وأرى أنه أحد فروع الطب المستحدث، الذى يجب أن يبدأ الاهتمام به فى بلادنا بعد أن بلغ قدرا من علو الشأن فى برامج الصحة الخاصة، فى بلاد تحترم حق مواطنيها فى الحياة والصحة. لم يعد معناه الحرفى هو الغالب، فقد بدأ تحت عنوان «طب الرجل العجوز»، وهو تعبير يونانى لكنه الآن ينقسم إلى فروع مختلفة، منها العلاجى ومنها الوقائى، فيما يخص صحة النفس والجسد.
أعرف جيدا أن لدينا أطباء يمارسون فعاليات هذا الفرع المهم من الطب فى بلادنا، ولكنهم نُدرة إذا ما قارنا عددهم بحاجتنا الفعلية. كما أن تلك الخدمة الصحية الحديثة لا تمارس على الإطلاق فى القطاع العام بل فى مراكز قليلة للغاية باهظة التكاليف للخاصة دون العامة. لذا أتمنى لو بدأ الاهتمام بتدريس طب الخريف فى كلياتنا ومعاهدنا الطبية بفاعلية تسمح بتخريج أطباء على علم به تدفعهم رغبة صادقة فى ممارسته كأى فروع الطب التى يُقبلون على ممارستها.
أتمنى أيضا أن تبدأ عياداته فى الانتشار، وأن يبدأ التعريف بها وبما تقدمه من خدمات عامة وخاصة.
الاهتمام بطب الخريف يرفع عن كاهل الدولة الكثير، سواء فى ميزانيات العلاج أو مسئوليات أدبية تجاه مواطنيها فى مرحلة يصبح الإنسان فيها أحوج ما يكون لها.
أعرف جيدا أن تغيير الأسماء لا يغير المسميات، لكنه على الأقل مدخل إنسانى للنفس البشرية التى خلقها الله سبحانه، على ما هى عليه من حب للحياة، وإن اجتمعت الأحقاد فيها، وقد بدا جليا خلال المحنة التى يعانيها العالم الآن، أن أكثر البشر عرضة للهلاك هم كبار السن، فوجود الأمراض المزمنة يجعل منهم هدفا سهلا للفيروس. لا يقف الأمر عند ذلك الحد إنما يتخطاه إلى كونهم مصدرا للعدوى لمن يخالطونهم أو يعتنون بهم. إذن فالانتباه إلى ملف كبار السن الصحى يجب أن يظل على رأس قائمة الاهتمامات التى يجب أن تحرص عليها الدولة، ويتبناها أصحاب الشأن الصحى فيها.
طب الشيخوخة والتقدم فى السن فرع من فروع المعرفة الطبية الذى يمكن أيضا أن يُصبح مشروعا يساهم فيه المجتمع المدنى، لذا أقترح أن تبدأ وزارة التضامن فى دراسة ذلك الدور المهم الذى يمكن أن تؤديه.
فى النهاية أعترف أن ما دفعنى للحديث اليوم عن طب الخريف إعلان من الواضح أنه مأخوذ من إعلان أوروبى أو أمريكى عن دار للمسنين تضمن الرعاية الكاملة الاجتماعية والطبية والترفيهية، يشى الإعلان برفاهية تشكل ملامح رجل وامرأة فى عمر متقدم يبتسمان فى سعادة ويلوحان بحيوية بادية، وخلفهما مبنى فخم أنيق لا شك أنه سكنهما الجديد الخاص الذى من أجله كان الإعلان.. ترك الإعلان فى نفسى أثرا قضى تماما على أى رغبة فى السؤال عن تفاصيل، لكنه دفعنى إلى كتابة هذا المقال.. فلدى قناعة أن حسن الختام أن يشيخ الإنسان فى كرامة.