الغنيمة والنهب فى حروب إسرائيل
قضايا فلسطينية
آخر تحديث:
الثلاثاء 12 مارس 2024 - 7:45 م
بتوقيت القاهرة
نشر المركز الفلسطينى للدراسات الإسرائيلية (مدار) مقالا للكاتب وليد حباس، يوضح فيه الكاتب الفرق بين مفهوم الغنيمة فى الحروب قديما وعمليات النهب الإسرائيلية التى يتعرض لها الفلسطينيون حاليا، فهناك وحدة متخصصة فى الجيش الإسرائيلى تدعى «وحدة جمع الغنائم» تتمتع بسلطة إصدار وتنفيذ الأوامر المتعلقة بعمليات النهب الإسرائيلية. وتبرر إسرائيل عمليات استيلائها على ممتلكات الغير بادعائها أنها تخدم الإرهاب حتى تتهرب من المساءلة القانونية... نعرض من المقال ما يلى:
يرتبط مفهوم «الغنيمة» بالحروب القديمة ويحمل دلالات دينية. اليوم، تؤطر إسرائيل سرقاتها ملايينَ الدولارات من منازل الفلسطينيين ومحال الصرافة، سواء فى غزة أو الضفة الغربية، على أنها غنيمة حرب. تُضاف إليها معدات، مجوهرات، وكل ما هو ثمين فى أرض المعركة. على الرغم من أن «الغنيمة» فى سياق حروب إسرائيل لها أصول تعود للثقافة التوراتية، فإن إسرائيل تسعى باستمرار إلى تغليف هذه السرقات على أنها «تكتيك» عسكرى يهدف إلى تجريد المقاومة من مواردها، وهى لغة مقبولة على المجتمع الدولى فى العصر الحديث. هذه المقالة تشرح مفهوم الغنيمة فى حروب إسرائيل.
• • •
مفهوم الغنيمة (أو بالعبرية «شالال») له أصوله فى سياق حروب إسرائيل القديمة ويشير إلى البضائع أو الممتلكات أو الأراضى التى تتبع للعدو ويتم الاستيلاء عليها بالقوة من قبل جيش إسرائيل. هذا المفهوم متأصل بعمق فى الروايات التاريخية لمجتمعات الشرق الأدنى القديمة، بما فى ذلك تلك الموجودة فى التوراة وباقى الديانات السماوية.
يجادل النقاد بأن الممارسات القديمة لأخذ الغنائم لا يمكن تبريرها أخلاقيا فى السياقات الحديثة، ويثيرون أسئلة حول الأثر الأوسع لاستخدام النصوص الدينية لتبرير الأعمال العسكرية أو السياسية المعاصرة، كما تفعل إسرائيل اليوم. مثلا، بينما أن مفهوم الغنيمة فى الحروب القديمة كان يرتبط بالنعمة الإلهية، والحق الدينى، والفتوحات، إلخ... فإن هناك من يرى أن هذا الخطاب الدينى كان ضروريا فى العصور القديمة لتبرير الحاجات الاقتصادية، والاعتداء على أملاك الغير ونهب الثروات. كان مفهوم الغنيمة ضروريا لتحويل النهب والقرصنة من مفهوم غير أخلاقى إلى «حق» مكفول برعاية إلهية.
• • •
ثمة نوعان من الغنائم يمكن الحديث عنهما. النوع الأول، الغنيمة التى تتعلق بالأرض، وسرقة أراضى الغير، ثم اغتنامها، ثم ضمها أو الاستيطان عليها وتحويلها إلى ملك لشعب إسرائيل. هذا المفهوم المتعلق بفهم توسعات إسرائيل خلال الأعوام 1948، 1967، 1973، ومن ثم التوسع الزاحف داخل الضفة الغربية والقدس، لا يعنينا هنا على الرغم من حيويته. فى المقابل، تركز هذه المقالة على مفهوم غنيمة الممتلكات المنقولة أثناء الحروب أو العمليات الحربية. على سبيل المثال:
خلال حرب 2014 والتى استمرت حوالى 54 يوما، شملت غنائم الجيش الإسرائيلى حوالى 230 قطعة سلاح وقاذفة، و30 منظارا ليليا، و50 صاروخا، و750 وسيلة اتصالات وإلكترونيات، وحوالى 1800 وسيلة من المعدات الهجومية، وما يقرب من 500 عبوة أو الذخيرة. وقال الجيش الإسرائيلى فى حينه إن حجم هذه الغنائم كان «غير مسبوق».
فى الحرب الحالية، وبتاريخ 28 ديسمبر 2023، استولت قوات للجيش الإسرائيلى على مبالغ مالية تجاوزت 10 ملايين شيكل إسرائيلى إلى جانب كميات من المجوهرات والمصاغ الذهبى.
وبتاريخ 5 فبراير 2024، استولى الجيش فى منطقة ما داخل شمال قطاع غزة على حوالى 25 مليون شيكل ودمية إنعاش للأطفال (Resusci Anne).
عادة ما يصدر الجيش الإسرائيلى بيانا يعلن فيه الاستحواذ على هذه الممتلكات، لكنه يحتكر الرواية المتعلقة بـ «السبب» الكامن وراء هذه السرقة، ويدعى أنها أموال تخدم الإرهاب. وبينما لم يقم أى طرف فلسطينى أو دولى حتى الآن بمساءلة إسرائيل حول أمر هذا النهب، أو دعا لفتح تحقيق لكشف ملابسات هذه القرصنة، فإن إسرائيل تستمر فى استخدام روايات مقبولة على المجتمع الدولى، وهى روايات من شأنها أن تمنع إدانتها أمام أى محكمة مستقبلية. مثلا، إحدى أهم الأدوات التى من خلالها تقوم إسرائيل «بشرعنة» أفعال السرقة، هى عبر تقديمها للعالم على أنها جزء من الممارسات المهنية للجيش الإسرائيلى «الأخلاقى»، وذلك عبر تخصيص وحدة خاصة داخل الجيش للبحث عن الغنائم، جمعها، ومصادرتها. بالطبع، تحتكر إسرائيل كامل عناصر الرواية بما يشمل: أين عثرت على الأموال والممتلكات؟ كيف ربطت (أو فبركت) العلاقة بين هذه الممتلكات وبين المقاومة؟ ما هى الدلائل وهل من الممكن للمعتدى عليه (أى صاحب الأملاك) أن يقدم روايته البديلة لتكذيب إسرائيل واستعادة ممتلكاته؟ إلخ.
• • •
وحدة الاستيلاء على الغنائم (بالعبرية تسمى: وحدة إخلاء الغنائم، أو «هايحيدا لِبينوى شالال»)، هى وحدة متخصصة داخل الجيش الإسرائيلى ومسئولة عن جمع وتوثيق ونقل غنائم العدو وأسلحته ومواده الأخرى التى تركت فى ساحة المعركة إلى هيئات الاستخبارات والأبحاث ذات الصلة داخل الجيش. وعليه، يتم تأطير عملية السرقة، التى تصل أحيانا إلى ملايين الدولارات، بالإضافة إلى مواد ثمينة، ومجوهرات، وممتلكات خاصة، على أنها عمليه مهنية عسكرية تهدف إلى:
جمع الغنائم وتصنيفها: والجمع يتم أثناء القتال أو بعده، يركز جنود الوحدة على جمع المعدات والوثائق من العدو. وتدعى الوحدة أنها تميز بين ممتلكات تستخدم لغرض المقاومة (يتم اغتنامها) وممتلكات خاصة لا تستخدم فى المقاومة (لا يجب اغتنامها لكن لا توجد ضوابط لمنع الجنود من سرقتها من دون أن يتم توثيق الموضوع).
التقييم والتحليل: يتم إرسال بعض الغنائم المسروقة لتحليلها من قبل الخبراء للحصول على معلومات استخباراتية عن العدو. ويشير نائب رئيس وحدة الغنائم الحالى إلى أن الجيش حصل على العبوات التى استخدمها مقاتلو حماس فى 7 أكتوبر 2023 لتفجير دبابات أو متاريس وبوابات ضخمة، وقام بدراسة هذه العبوات بشكل جيد، وبناء على دراسته هذه قام بإجراء تعديلات على نظم حماية الدبابات لتجنب الوقوع فى فخ مثيل. هذه الرواية التى تم تصويرها فى مقطع فيديو وتقديمها للعالم، من شأنها أن تحول رواية السرقة إلى جزء من تكتيكات الحرب المقبولة على العالم.
إعادة الاستخدام: بعض الغنائم التى يتم الاستيلاء عليها قد يستخدمها الجيش الإسرائيلى نفسه أثناء القتال (مثلا ذخيرة، رصاص)، أما الأموال فيتم إدخالها فى حسابات وزارة الجيش الإسرائيلى ويجرى استخدامها من قبل الجيش نفسه، مما يحيل إلى المفهوم الدينى للغنيمة التى تحول قدرات العدو إلى قدرات للجيش المنتصر.
تتكون وحدة جمع الغنائم من جنود الاحتياط من خلفيات مهنية مختلفة، بما فى ذلك الاستخبارات والهندسة والخدمات اللوجستية. تتمتع هذه الوحدة الفريدة فى الجيش الإسرائيلى بسلطة إصدار وتنفيذ الأوامر المتعلقة بمجال عملياتها، وضمان عدم ترك أى مواد ثمينة للعدو لإعادة استخدامها ضد القوات الإسرائيلية. علاوة على ذلك، يشمل عمل الوحدة تدمير معدات العدو الزائدة عن الحاجة فى الموقع. ويمكن الادعاء بأن كل قطاع غزة تحول أثناء هذه الحرب إلى «غنيمة»، وبينما أنه لا يمكن للجيش الإسرائيلى «أخذ قطاع غزة» معه والعودة به إلى الثكنة، فإنه قام بتدميره لمنع العدو الفلسطينى من استخدامه لاحقا! وتمتد أنشطة الوحدة أيضا إلى ما هو أبعد من سيناريوهات الصراع المباشر، حيث تشارك فى التدريبات التى تحاكى عبور حدود العدو والتعامل مع الغنائم فى أراضى العدو، مما يعكس استعدادها للتحديات التشغيلية فى الوقت الفعلى.
ولا بد من الإشارة أخيرا إلى أن مفهوم الغنيمة فى حروب إسرائيل يشمل قسمين: هناك الغنيمة المنظمة التى تقوم «الدولة» بالاستيلاء عليها من خلال هذه الوحدة العسكرية. ولأن الاغتنام المنظم هو فعل تقوم به الدولة، فإنه يحتاج إلى ضوابط، وقوانين، ووحدة إعلام وتبرير قانونى، وتيقظ لاحتمالية المقاضاة المستقبلية وبالتالى ضمان وجود تشريعات خاصة بالاغتنام. ثانيا، هناك الاغتنام الفردى، الذى يقوم به الجندى من تلقاء نفسه، مدفوعا بتفسيراته الرغبوية للنصوص التوراتية بالإضافة إلى جشعه الذى تربى عليه باعتباره عضوا فى مجتمع استعمارى يقوم على سرقة أراضى الغير. هذه السرقات الفردية هى مشهد يومى من كل اجتياح واقتحام (فى الضفة الغربية والقدس والداخل)، أو حتى حرب (كما هى الحال فى الحرب الحالية).
فى المقابل، تدعى إسرائيل أنها لا تقوم بسرقة أموال الفلسطينيين وإنما فقط اغتنام أملاك العدو (أى حماس وفصائل المقاومة). مثلا، فى فبراير 2024، روجت إسرائيل بأن جنودها قاموا بـ«عملية عسكرية خطرة جدا، وكادت تنتهى بفاجعة» فى أثناء محاولة قوة إسرائيلية تخليص 200 مليون شيكل من بنك فلسطين فى قطاع غزة، بهدف إعادتها إلى السلطة الفلسطينية وإدارة البنك قبل أن تقع فى أيدى مقاتلى حماس.
النص الأصلى