دليسيبس القطرى عندنا
وائل قنديل
آخر تحديث:
الجمعة 12 أبريل 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
من يتابع ردود الأفعال المستنكرة للمساعدات المالية القطرية لمصر يشعر للوهلة وكأن القاهرة لم تتلق مساعدات من أحد من قبل، أو أنها لم تعرف سياسة الاقتراض أبدا، ومن عجب أن الذين ينصبون المناحة على السيادة الوطنية المصرية المهددة بمساعدات الأشقاء فى قطر لم يسمع أحد لهم صوتا حين ضخت الدوحة مليارات الدولارات فى شرايين الاقتصاد المصرى أيام حكم المجلس العسكرى، ولم يعترض أحد على مبالغ ضخمة أخرى جاءت من السعودية.
بل أنه حين انتشرت على نطاق واسع معلومات تفيد بأن الرياض وعواصم عربية أخرى عرضت فى نهايات ٢٠١١ تقديم مساعدات مالية بنحو عشرة مليارات دولار مقابل عدم محاكمة مبارك كانت هناك أصوات من النائحين على حزمة المساعدات القطرية الآن لا تمانع فى مناقشة ذلك العرض السخى.
ويدهشك فى الموضوع أيضا أن بعضا من مثيرى الفزع على سيادة وكرامتها بفعل مساعدت الدوحة هم من نجوم منظمات ومراكز نمت وترعرت وتغذت ولا تزال على حليب التمويلات الأجنبية، ولذلك يبدو غريبا ولافتا هذه الطقس الجنائزى الذى يحاولون به تصوير الأمر وكأن الخواجة ديليسبس بعث من كتب التاريخ وارتدى الزى الخليجى وعاد إلينا من البوابة القطرية يريد التهام مصر واستعمارها.
إن أصحاب فزاعة الاستعمار القطرى يمارسون ــ للأسف الشديد ــ نوعا من استحمار البسطاء، ذلك أن بعضهم يواصل رقصته المجنونة فى حرق الأرض بمن عليها كى يسقط هذا النظام، وطبيعى والأمر كذلك أنه كلما لاحت فى الأفق بادرة انتعاش اقتصادى أو هدوء مجتمعى، سارعوا بفتح خراطيم التخويف والتفزيع، وافتعال الحرائق، الكبير منها والصغير هنا وهناك.
لقد كان من الممكن تفهم هذه الغيرة المفاجئة على السيادة والكرامة من قبل كتائب مقاومة الغزو المالى القطرى، لو أننا رأينا بعضا من هذا النضال ضد مساعدات ومنح من دول أخرى، أو شاهدنا موقفا بهذا الصمود من المعونة الأمريكية لمصر مثلا، ولأن شيئا من ذلك لم يحدث فإنه لا يمكن فهم هذا الإصرار على تصوير قطر وكأنها العدو، أو الخطر الداهم على مصر واستقلالها إلا فى سياق حلقات سلسلة العبث الممتدة على مدى الشهور الماضية فى محاولات بائسة لإزاحة رئيس بعيدا عن الآليات السياسية التى يعرفها العالم.
وأزعم أن كل عاصمة عربية تحاول مستقبلا تمديد المساعدة لمصر للخروج من عثرتها الاقتصادية، ستواجه المصير ذاته الذى وضع الدوحة فى قائمة الأعداء، مادام هؤلاء المتصاغرون يرون مصر بهذه الهشاشة التى تجعلها مهددة بالفناء كلما اقترب منها أحد عارضا العون والمساعدة.
وإذا استسلمنا لمنطق صناع الفزع والرعب من مواقف الأشقاء والأصدقاء فحرى بنا أن نغلق حدودنا ونسد سماءنا وننكفئ على أنفسنا نتصارع ونتقاتل بجنون حتى نبيد بعضنا البعض ونحولها إلى خرابة.
إنه الضمير عندما يصاب بالحوَل والعوار، فيرى فى قطر خطرا داهما على مصر إذا أقدمت على مساعدتها، وهو العوار ذاته الذى جعلهم يرون الجيش جميلا ورائعا إذا صمت عن دعواتهم الغبية للانقلاب، ويرونه عكس ذلك إذا تحدث عبر قادته عن رفض هذا الجنون والعبث.