اعتبر البعض أن الضربة الصاروخية التى قامت بها الولايات المتحدة ضد القاعدة العسكرية فى سوريا ردا على استعمال السلطات السورية للسلاح الكيماوى، بمثابة تغيير جذرى فى السياسة الأمريكية أو قطيعة مع شعارات «المرشح» ترامب وكذلك مع مواقف الرئيس ترامب فى الشهرين الأولين من ولايته. ولكن بعض المراقبين اعتبر أن ما حصل لا يشكل بعد تغييرا جذريا فى السياسة بل هى رسالة حازمة إلى السلطات السورية وإلى جميع اللاعبين الدوليين والإقليميين بأن هنالك خطوطا حمر لا تسمح الإدارة الأمريكية الجديدة بتجاوزها. ويقول فى هذا السياق وزير الدفاع الأمريكى السابق وليام كوهين «إن ضربة واحدة لا تصنع استراتيجية».
الصواريخ الأمريكية الموجهة ضد القاعدة العسكرية الجوية السورية حملت رسائل عديدة باتجاهات مختلفة:
أولا: رسالة إلى الداخل الأمريكى؛ فهى بمثابة قطيعة مع سياسات أوباما التى افقدت الولايات المتحدة مصداقيتها، وبالتالى مكانتها الدولية حسب ترامب، إذ كانت قيادة ضعيفة، مساومة ومترددة. ومن المفارقة فى هذا المجال أن ترامب كان ضد التدخل الأمريكى العسكرى فى سوريا وكان يعتبر أنه إذا كان أوباما يريد القيام بعمل عسكرى، فعليه بداية الحصول على موافقة الكونجرس.
ثانيا: كانت رسالة إلى الأصدقاء والحلفاء الدوليين والإقليميين بشأن الحزم والجدية عند الإدارة الأمريكية الجديدة مما يعزز من موقعها ومصداقيتها عند هؤلاء وخاصة فى الشرق الأوسط حيث عانى حلفاء الولايات المتحدة فى بيئة تتسم بتزايد التهديدات الإيرانية لهؤلاء وبازدياد الأزمات المشتعلة حدةً والتى تهدد مصالحهم بغياب وتردد ووهن طبع السياسة الأمريكية مما شجع الخصوم على التمادى بسياساتهم.
ثالثا: رسالة إلى الخصوم فى الشرق الأوسط وخارجه وبالأخص إلى إيران وكوريا الشمالية بأنه من المحرمات اللجوء إلى خيار الأسلحة غير التقليدية إذ إنه سيكون هنالك رد أمريكى عسكرى على القيام بذلك.
رابعا: أن الرئيس الأمريكى غير مقيد اليدين فيما يتعلق باللجوء إلى العمل العسكرى. فهو ينتمى بقوة إلى مدرسة الواقعية السياسية التى تعتبر أن القوة العسكرية هى أداة أساسية فى إدارة العلاقات الدولية. وإذا كانت هنالك تداعيات سلبية لاستعمالها فى الماضى، فإن ذلك عائد للسياسة التى وظفت عملية اللجوء إلى القوة العسكرية ولم تحسم إدارة تداعياتها وليس إلى مبدأ اللجوء إلى القوة العسكرية. فإذا كان ترامب ضد سياسات التغيير الديمقراطى والتدخل لدعم هذا التغيير باعتبار أن الاستقرار بعيدا عن أى عنوان عقائدى إصلاحى أو تغييرى هو الهدف الأسمى، فإن ذلك لا يعنى السماح بسياسات تهدد الاستقرار.
خامسا: رسالة تقول بتعزيز الدور الأمريكى فى سوريا عبر الورقة العسكرية خدمة لأهداف واشنطن وليس لأهداف حلفائها فى الشأن السورى.
سادسا: رسالة تقول إن أمريكا قد تتحمل بعض التوتر المقيد فى العلاقات مع روسيا وبعض الأشكال الدبلوماسية الناتجة عن هذه الضربة، ولكن تبقى الإدارة الأمريكية مدركة أن هذه الضربة لن تؤثر فى مضمون علاقات التعاون والتفاهم مع روسيا التى هى بحاجة للتقارب مع واشنطن، نظرا لوجود أهداف مشتركة فى سوريا وخارجها، وأن هذه الضربة بمثابة رسالة إلى السلطات السورية لعدم الخروج عن «قواعد اللعبة العسكرية» أو «قواعد الانخراط» Rules of engagement.
سابعا: إن الحديث «الجديد» عن سلة أولويات أمريكية تتضمن إلى جانب محاربة داعش، مواجهة إيران وتغيير النظام فى سوريا قد تساعد فى تعزيز الاندفاع نحو حل سياسى سلمى فى سوريا، إذ لن تستطيع بعد ذلك السلطات السورية أن تتصور أن أولوية محاربة داعش وفرت لها ضوءا أخضر أمريكيا لتحقيق أهدافها بجميع الوسائل وبشكل مطلق. كذلك الأمر بالنسبة إلى إيران التى كانت تشعر بأن أولوية محاربة داعش بالمطلق من جانب الولايات المتحدة، رغم الاستمرار فى سياسة الاشتباك الخطابى والعقائدى بين طهران وواشنطن، يسمح لها بتعزيز وضعها الإقليمى.
ثامنا: ستستمر محاربة داعش، دون شك، بمثابة الأولوية المطلقة. لكن تعزيز الحرب ضد داعش يستدعى الانخراط القوى فى العمل مع موسكو أولا، وبالتالى مع جميع القوى المؤثرة فى العمل على إطلاق التسوية السياسية السلمية فى سوريا. التسوية التى تشارك فيها جميع أطياف الشعب السورى دون إقصاء لأى طرف.
إن تسوية الأزمة السورية، التى دونها تحديات كبيرة بلا ريب، تستدعى أيضا بلورة موقف عربى فاعل ومؤثر فى صياغة هذه التسوية، بعد سطوع الغياب العربى الفعلى كما دل على ذلك مؤتمر الأستانة وما تلاه من مسار، خاصة أن العرب هم أكثر المعنيين بمنع الانهيار السورى التدريجى الذى يؤسس لحالة فوضى مطلقة فى المنطقة تطال جميع الأطراف.