لم يكن يليق بمجلس النواب الموقر هذه الموافقة الفورية على قرار الرئيس الجمهورية إعلان حالة الطوارئ بدون أى مناقشة ولا تعقيب، وكأنه خيار وحيد لا بديل له، رغم أن العقل والمسئولية الوطنية والدستورية كانت تفرض على أعضاء المجلس الموقر مناقشة القرار وأسبابه ومبرراته، وتكلفته المحتملة، بالنسبة للسياحة والاستثمار وحقوق الإنسان، مقابل فوائده المرجوة على صعيد مواجهة الإرهاب وجماعاته.
لكن المأساة أن أغلبية أعضاء البرلمان يتصورون أن «دعم مصر» يعنى البصم على كل ما تريده السلطة التنفيذية من قرارات وقوانين دون نقاش أو حتى تعقيب، مع أن «حب مصر» الحقيقى ودعمها يفرض على هؤلاء النواب إخضاع كل ما تريده السلطة التنفيذية وما تقوم به للمراقبة والمناقشة بهدف الوصول إلى أفضل القرارات والخيارات المتاحة بما يعود بالفائدة على الجميع.
أما حالة التساهل التى تعامل بها البرلمان مع قرار بحجم إعلان حالة الطوارئ فى عموم البلاد، وكأننا نواجه غزوا خارجيا شاملا أو كارثة طبيعية ضخمة فقد أساءت للبرلمان من ناحية وحرمت مصر مما كان يمكن طرحه من أفكار أو تصورات بشأن أفضل سبل مواجهة خطر الإرهاب من ناحية، ثم التشديد على ضرورة التزام السلطة التنفيذية باستخدام الصلاحيات الهائلة التى يمنحها لها قانون الطوارئ فى أضيق الحدود، حتى لا يتحول هذا القانون من سلاح فى معركتنا ضد الإرهاب إلى سلاح فاسد ينفجر فى وجه المجتمع قبل أن يصل إلى الإرهابيين.
وإذا كان كثيرون يرون أن إعلان حالة الطوارئ كان ضرورة فى مواجهة تزايد خطر الإرهاب ودمويته، فهذا ليس الرأى الوطنى الوحيد، فهناك من يرى أن أضرار إعلان حالة الطوارئ فى هذه اللحظة وبعد أيام قليلة من إعلان وزارة الخارجية الأمريكية مصر دولة آمنة، تفوق ما يمكن أن يحققه من فوائد. وهناك من يرى أن ترسانة القوانين التى صدرت خلال السنوات الأربع الماضية تكفى وزيادة لمواجهة خطر الإرهاب دون الحاجة إلى إعلان «مصر فى حالة طوارئ» وما يمكن أن يؤدى إليه ذلك من تأثيرات سلبية صورة مصر أمام السياح والمستثمرين والمجتمع الدولى على المدى القصير فى أفضل الأحوال.
فلدينا القانون رقم 94 لسنة 2015 المعروف باسم قانون الإرهاب والذى يعطى لأجهزة الأمن والتحقيق صلاحيات تماثل الموجودة فى قانون الطوارئ، ولدينا القانون رقم 136 لسنة 2014 المعروف باسم قانون حماية المنشآت العامة والحيوية والذى يكاد يضع كل جرائم الإرهاب والجرائم ذات الصلة بها تحت مظلة القضاء العسكرى، دون الحاجة إلى قانون الطوارئ، وهو ما يجرى بالفعل حيث تمت وتتم محاكمة آلاف المتهمين فى أعمال الشغب والعنف والإرهاب امام المحاكم العسكرية. ثم إنه لدينا تجربة طوارئ امتدت نحو 30 سنة فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، ولدينا تجربة حالية فى شمال سيناء ممتدة منذ نحو 3 سنوات، فهل أخضعنا التجربتين للدراسة والتحليل قبل الدخول فى تجربة ثالثة؟
أمام هذه الحقائق، يصبح «سوء الظن من حسن الفطن» ويصبح الخوف من الانحراف باستخدام حالة الطوارئ للتضييق على ما تبقى من الحريات والنشاط السياسى المعارض والأصوات الإعلامية المغايرة أمرا مشروعا، خاصة إذا ما توقفنا عند مصادرة جريدة «البوابة نيوز» بعد ساعات قليلة من إعلان حالة الطوارئ وقبل دخوله حيز التطبيق، والقرار المفاجئ للبرلمان بإحالة اتفاقية التنازل عن جزيرتى تيران وصنافير للسعودية إلى اللجنة التشريعية والدستورية، رغم أن القدر البسيط من العقل والمنطق يقول إن المجتمع الذى يواجه خطر الإرهاب ويحتاج إلى الاصطفاف والوحدة لا يحتاج إلى إثارة قضية مختلف عليها بشدة وتهدد بمواجهة بين السلطة القضائية والسلطة التشريعية وبمواجهة أخطر بين الحكومة وقطاعات واسعة من المصريين ترفض التخلى عن الأرض.