عناصر القوة والضعف فى نظامنا الصحى لمواجهة أزمة كورونا المستجد
علاء غنام
آخر تحديث:
الأحد 12 أبريل 2020 - 10:20 م
بتوقيت القاهرة
ما زالنا داخل التجربة، ومن المبكر جدًا أن نبدأ التقييم الآن، لكن الخطوات الأولية جيدة ومتوازنة، بلا مبالغة ولا تهاون. نحن فى السكة الصحيحة، بدأنا فى الوقت المناسب، الإجراءات حتى الآن معقولة وتصاعد الإجراءات الاحترازية متوازن مع تصاعد انتشار المرض محليًا وإقليميًا وعالميًا.
من المهم أن نعرف أن مصر كانت دائما معبرا للأوبئة بين الشرق والغرب. الكوليرا كانت تمر من عندنا إلى أوروبا، تأتى من الهند إلى جدة ومنها إلى مكة ثم السويس فالقاهرة ومنها إلى الإسكندرية وبعدها إلى أوروبا.
وفى كل الأزمات السابقة، استطاع قطاع الطب الوقائى بوزارة الصحة أن يدير هذه الأزمات بتوازن وبشكل جيد، وحتى فى بعض الأحيان كان يبالغ فى اتخاذ الإجراءات الاحترازية إعلاءً للمصلحة العامة، كما حدث مع إنفلونزا الخنازير عام 2009، حيث تخلص القطاع من الخنازير وقام بشراء كميات كبيرة من أدوية التاميفلو بمبالغ ضخمة فى حين أن معدل الإصابات بالمرض لم تستدع ذلك.
نجاح إجراءات وزارة الصحة حتى الآن فى التعامل مع «كورونا المستجد» يكمن فى إحياء الدور الذى نشأ من أجله القطاع الصحى فى مصر منذ قرن ونصف. فعندما أسس محمد على النظام الصحى فى بدايته كان الهدف منه مواجهة الأوبئة. ومن وقتها، مرت المنظومة الصحية بمراحل كثيرة، ولكن ظل القطاع الوقائى فى وزارة الصحة من أقوى القطاعات من حيث الخبرة وامتلاك الكوادر الطبية المدربة التى تستعين بهم منظمة الصحة العالمية. ولكن قلّ هذا الاهتمام خلال السنوات العشر السابقة، قبل أن يأتى «كورونا» ويعيد إحياءه من جديد. والإحياء هنا لا يأتى من فراغ، فهناك مكاتب صحة ووحدات رعاية صحية فى كل الأحياء والمدن والقرى على مستوى الجمهورية، وهى إحدى الأدوات الأساسية للقطاع الوقائى التى استطاعت مصر من خلالها تحقيق برامج التطعيمات الإجبارية، التى قضت على أمراض مثل الجدرى والحصبة والدرن إلى جانب شلل الأطفال، وهو من الأمراض الخطيرة التى كانت متوطنة فى مصر. وبهذه التجربة تفوقت مصر على بلاد كثيرة فى العالم.
وقد يكون من المفيد الإشارة إلى البيان الصحفى لبعثة الدعم التقنى الخاصة بمرض كوفيد ــ 19 فى مصر، التى اختتمت عملها بتاريخ 25/ مارس/ 2020، حيث أشار البيان إلى قوة نظام الترصد الوبائى فى مصر (لقد أثبت نظام ترصد الأمراض الراسخ فى مصر وجهود تتبُّع المُخالِطين فعاليتها فى مكافحة حالات الإصابة الفردية والجماعية وتدبيرها علاجيا قبل انتشارها. والآن، يوفر إغلاق الحدود الذى تم مؤخرا فرصة لتعزيز التحرِّى وقدرة الاختبار السريع باستخدام نهج تقييم المخاطر).
***
كلنا نعرف أن القطاع الصحى الحكومى يواجه أزمة كبيرة فى عدد الأطباء والتمريض، ولهذا اضطرت وزارة الصحة إلى تغيير شكل المواجهة التقليدية للوباء، وذلك بغلق العيادات الخارجية بكل المستشفيات وتحويل طاقة العمل بكاملها إلى الوحدات الصحية، وهذا يعد تعديلًا لمسار التعامل مع الأزمة، للاستفادة القصوى من الفريق الطبى الحالى.
فبدلًا من أن تكون المستشفيات هى خط المواجهة الأول للمرض، ما يسمح بتحولها لبؤر عدوى لاستقبالها عددا كبيرا من المرضى من مناطق مختلفة، تكون الوحدة الصحية أو مكتب الصحة الموجود فى كل حى أو قرية هى الخط الأول للتعامل مع المرض، على أن يتم رفع كفاءة تلك الوحدات ومدها بالفريق الطبى المدرب وبأجهزة الأشعة والتحاليل التى تمكنها من تأكيد أو نفى احتمالية إصابة أى شخص بـ«كورونا»، لتحول الوحدة بعد ذلك الشخص المرجح إصابته بالفيروس إلى مستشفى الحميات أو الصدر القريب منه، ليجرى فيه تحليل «pcr» له. وفى حال تأكد الإصابة، يتم نقله إلى أقرب مستشفى عزل له.
وتكمن أهمية إضافة مرحلة الوحدات الصحية إلى مراحل التعامل مع الفيروس الأربع التى تبدأ بمرحلة البقاء فى المنزل، وبعدها الذهاب للوحدة على أن يكون للأخيرة مسئولية الإحالة لمستشفيات الحميات والصدر ومنها إلى مستشفيات العزل، فى تخفيف العبء على الفريق الطبى بحيث لن يصل إلى مستشفيات الحميات سوى المرضى الذين يعانون من التهاب رئوى فقط. ومن ثم، يكون دور الأخيرة قاصرا على التحقق مما إذا كان الالتهاب الرئوى بكتيريًا ووقتها يحصل المريض على علاجه داخلها أو أنه ناتج عن الإصابة بفيروس كورونا ويحتاج إلى النقل إلى مستشفيات العزل لتلقى العلاج.
لدينا نقص فى عدد الأطباء والتمريض. كما أن الوحدات الصحية تنقصها العمالة المدربة فى الوقت الحالى، والقطاع الصحى بكامله فى حاجة إلى التدريب على مواجهة الأزمة. ولهذا يعد قرار وزارة الصحة بفتح باب التطوع قرارًا جيدًا يراعى هذا النقص، وقد يتسبب فى تخفيف العبء على المنظومة الصحية لأنه يسمح للتخصصات العلمية القريبة من مجال الطب مثل خريجى كليات العلوم والطب البيطرى والأسنان القيام بأدوار تكميلية بمستشفيات العزل والإحالة أو بفرق التقصى والمتابعة الميدانية.
ويسمح القرار كذلك بوجود متطوعين للعمل المجتمعى لتوعية الناس بأن خط الدفاع الأول للإنسان هو بيته، بالإضافة إلى أن هؤلاء المتطوعين يمكنهم القيام بالعديد من الأعمال. على سبيل المثال، توصيل الخدمات إلى المنازل وخصوصًا كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، باعتبارهم الأكثر عرضة للإصابة.
***
يجب التحذير من خطورة زيادة الإصابة بين الأطقم الطبية، مثل إصابة البعض من الأطقم الطبية فى معهد الأورام، ومعهد القلب، ومركز مجدى يعقوب للقلب، ومستشفى صدر دكرنس فى الدقهلية. هناك ضرورة لتوفير جميع مستلزمات مكافحة العدوى بجميع المرافق الطبية، مع ضرورة إعلان البرتوكول العلمى الموحد لطريقة تطبيق هذه القواعد، مع التأكيد على جميع مديرى المنشآت الطبية لضرورة متابعة تطبيق بروتوكول قواعد مكافحة العدوى وكيفية استخدام الواقيات الشخصية لجميع فئات الفريق الطبى وكل المتعاملين مع الحالات المشتبهة والمرضية (قناع عادى ــ قناع عالى الحماية ــ قفازات ــ غطاء رأس ــ مريلة واقية ــ نظارة واقية)، لضمان الوقاية لمقدمى الخدمة الصحية والحد من انتشار فيروس كورونا بداخل المنشآت الطبية للحد من انتشار الوباء. وفى نفس السياق، أشاد البيان الصحفى لبعثة الدعم التقنى الخاصة بمرض كوفيد ــ 19 فى مصر بجهود الطواقم الطبية حيث جاء فى البيان (من الواضح أن الموظفين والعاملين الصحيين يعملون بكل جدية والتزام لمكافحة هذه الفاشية وإنقاذ الأرواح). لذلك، أحد أهم الأهداف الآن يجب أن تكون حماية الفرق الطبية فهم خط الدفاع الأول.
وفى الخلاصة، فى اللحظة الحالية، علينا مواجهة الوباء وتركيز الأولويات بشكل علمى. لكن على الدولة بعد نهاية الأزمة أن تعيد النظر فى موازنة الصحة وفى أجور الأطباء والتمريض وفى إقرار بدل عدوى عادل لهم يتفق مع حجم المخاطر التى يتعرضون لها فى عملهم لتشجيع الأطباء على العمل فى القطاع الحكومى وعدم الهجرة للخارج أو للقطاع الخاص. بالإضافة إلى ضرورة الإسراع فى تطبيق منظومة التأمين الصحى الشامل التى كشفت الأزمة عن مدى فاعليتها فى إصلاح المنظومة الصحية، لأنه باختصار النظام الجديد للتأمين الصحى المقرر تعميمه على جميع محافظات مصر خلال السنوات العشر المقبلة يقصر دور الوزارة على ما يقوم به الآن قطاع الطب الوقائى بها فى مكافحة الأوبئة، والحفاظ على الصحة العامة.