الأستاذ الجامعي
محمد زهران
آخر تحديث:
الجمعة 12 أبريل 2024 - 7:20 م
بتوقيت القاهرة
تكلمنا في المقالين السابقين عن حال التعليم الجامعي في هذا العالم وقلنا إن التعليم الجامعي مهضوم حقه سواء في الدول المتقدمة أو النامية، فكلنا في الهم سواء. في مقال اليوم نركز على عنصر مهم من عناصر التعليم الجامعي وهو الأستاذ. هو من أهم أضلاع العلمية التعليمية التي تشمل الأستاذ والطالب والإدارة. سنركز على مهمة واحدة من مهام الأستاذ الجامعي وهي التدريس. الأستاذ له ثلاث مهام: التدريس والبحث العلمي والخدمات (أي لجان تقييم الأبحاث إلخ). والسبب الأساسي في تركيزي على التعليم الجامعي أن هذا ما خبرته وعملت به في العقدين الأخيرين، التدريس المدرسي قد يحمل بعض التشابه مع التعليم الجامعي لكن به اختلافات كثيرة هناك من هم أقدر مني على التحدث فيها.
الأستاذ الجامعي يتم تعيينه إما لأنه من أوائل الدفعة، وهذا ما يحدث في أغلب جامعاتنا الحكومية، أو عن طريق إعلان ثم مقابلة ويتم تعيين الأستاذ الجامعي تبعاً لأبحاثه المنشورة في المقال الأول وقدرته في الحصول على تمويل (وهذا في الجامعات الغربية)، في كلتا الحالتين القدرة على التدريس لا تدخل في التقييم إلا في نطاق ضيق.
فيما يتعلق بالتدريس فإن الأستاذ له ثلاثة مهام:
أن يكون خبيراً في الموضوع الواجب تدريسه، هذا يستلزم القراءة المستمرة في المجال خاصة إذا كان المجال يتطور بسرعة مثل أغلب المجالات التكنولوجية. أيضاً يجب أن يكون ملماً ليس فقط بالأبحاث المنشورة في المجال لكن أيضاً الكتب المنشورة لأن التدريس يكون إما من كتاب أو من أبحاث وكلتاهما تحتاج إلى متابعة مستمرة.
أن يتقن وسائل التدريس وهذه نقطتها يغفل الكثيرون ممن يعملون في المجال الأكاديمي بحجة إن "مفيش وقت" أو "احنا في إيه ولا في إيه". لكن التدريب على وسائل التدريس ستجعلك أقدر على اختيار أفضل الكتب والأبحاث وأفضل طريقة لإعطاء المعلومة وتقييم الطلاب، وهذا سيزيد من تأثيرك كأستاذ. متوسط حياة الأستاذ الجامعي داخل قاعات المحاضرات حوالي 35 سنة، في هذه المدة سيتعاقب عليه أجيال مختلفة من الطلاب متباينة في طريقة تعاطيها العلم وطريقة التعلم، فإذا أغفل الأستاذ طرق التدريس الحديثة لن يستفيد منه الطلاب
التمرس على إدارة قاعة المحاضرات مهمة شاقة. عدد الطلاب في تزايد مستمر. الأجيال الجديدة قليلة التركيز سريعة الملل لا تقبل النصيحة المباشرة وتريد أعلى الدرجات بأقل مجهود. كيف ستتعامل معهم داخل قاعة المحاضرات حتى تتمكن من إعطاء المحاضرة بأفضل الوسائل الممكنة.
النقطة الأخيرة أعلاه تنمو عن طريق الخبرة سواء الشخصية أو بالحديث مع الأساتذة الأكثر خبرة. هناك بعض الأكاديميين الذي كتبوا مذكراتهم في الجامعة وتعتبر كنز من الخبرات، على سبيل المثال كتاب (Life on the Tenure Track: Lessons from the First Year) أو "الحياة في السنة الأولى في الجامعة" (ترجمة غير دقيقة لكنها توضح المعنى) لجيمس لانج وهو كتاب قيم لأن الكاتب يشرح الأخطاء التي وقع فيها في السنة الأول كأستاذ جامعي. وكتاب (Invisible Learning) أو “التعليم الخفي" للكاتب ديفيد فرانكلين الذي يحكي قصة الأستاذ الأسطوري في جامعة هارفارد الشهيرة والذي يقوم بتدريس مادة الإحصاء وهي مادة تعتبر جافة، مؤلف الكتاب هو مساعد هذا الأستاذ (أي المعيد بلغتنا في مصر) ويحكي قصته وكيف أن الطلاب تبدأ الفصل الدراسي متخوفين من صعوبة المادة ومللها وتنهي الفصل الدراسي بالدموع لأنها ستترك هذا الأستاذ. هناك الكثير من الكتب التي تحكي الخبرات المختلفة في قاعة المحاضرات.
كاتب هذه السطور جمع الكثير من القصص التي حدثت له أو أمامه في قاعات المحاضرات وأعتقد أنها تشكل حصيلة خبرات قد تكون مفيدة ومسلية أيضاً ويمكن أن ترى النور في وقت ما.
أما وقد تحدثنا عن مهام الأستاذ الجامعي يجب أن نقف أمام أكبر عائق أمام التدريس الفعال: عامل الوقت.
الأستاذ الجامعي يحتاج الكثير من الوقت لثلاث مهام:
· التحضير للمحاضرة: وكما قلنا هذا يحتاج الكثير من القراءة بالإضافة إلى استخدام الخبرات التعليمية في تحويل تلك القراءات إلى مادة تعليمية.
· متابعة الطلاب على اختلاف قدراتهم: لأنك تقف أمام عدد كبير من الطلاب كل شخص منهم تجربة إنسانية مختلفة وقدرات ذهنية متباينة، والاكتفاء بإلقاء المحاضرة أمام الجميع معناه أن بعض الطلاب ستستفيد والبعض الآخر سيستفيد بدرجة أقل ومجموعة أخرى لن تستفيد وستعاني وعليك بتوجيههم وهذا يستنفذ الكثير من الوقت.
· تعليم الطلاب التفكير النقدي: نحن في عصر انتفت فيه تقريباً الحاجة للحفظ وارتفع فيه شأن التفكير النقدي، فكيف ستضع أسس التفكير النقدي داخل ثنايا مادة دراسية؟ هذا أيضاً يستلزم الكثير من الوقت.
الوقت مشكلة كبيرة خاصة في الدول النامية حيث مرتبات الأساتذة متدنية مما يجبر الأستاذ على العمل في عدة أماكن ليتمكن من إعالة نفسه وأهله. وفي الدول المتقدمة والجامعات ذات المرتبات المرتفعة الأستاذ مطالب بالبحث العلمي والحصول على تمويل لهذه الأبحاث بالإضافة إلى الاشتراك في الكثير من لجان تقييم الأبحاث وما شابهها، وهذا كله يأخذ الكثير من الوقت والجهد.
بعد هذه الجولة السريعة عن الجانب التعليمي في حياة الأستاذ الجامعي أود أن أشارك القارئ الكريم بعض النقاط المتعلقة بالتدريس الجامعي:
إذا كنت تظن أن التدريس مجرد "واحد قرأ كلمتين وراح يعيدهم أمام الطلبة" فيجب أن تعيد التفكير
أول الدفعة ليس بالضرورة أفضل من يقوم بالتدريس.
التدريس الجيد لا يمكن أن يفشل في أن يجعلك مؤثراً في هذا العالم. بحثك العلمي قد يفشل، أي ينتهي به الأمر بعدم نشر أيه أبحاث منه أو نشر أبحاث ضعيفة في مجلات أو مؤتمرات ضعيفة، ولكن الطلاب أمامك في قاعة المحاضرات قد يقوم أحدهم باكتشاف كبير أو تكنولوجيا مؤثرة بعد تخرجه، أنت لك يد في هذا.
العالم يرى التدريس أقل بهاء من البحث العلمي لأن تأثير التدريس يظهر بعد مدة أطول من البحث العلمي، والإنسان كائن عجول بطبعه.
لذلك كله فكما نكافئ البحث العلمي بالجوائز والشهرة ونظرات الانبهار فإننا إن أردنا أن نتقدم فعلينا بالاهتمام بالتدريس الجامعي بنفس الدرجة.