نداء يهودى.. فهل من يسمع من الإسرائيليين؟

بسمة قضماني
بسمة قضماني

آخر تحديث: الأربعاء 12 مايو 2010 - 10:04 ص بتوقيت القاهرة

هل تنتفض جاليات يهودية فى أوروبا ضد حكومة بنيامين نتنياهو وتتجه نحو أخذ مسافة، وإن نسبية، تجاه سياسات إسرائيل فى الأراضى المحتلة؟
ففى الأسبوع المنصرم، أثارت مجموعة أطلقت على نفسها اسم جى كول (النداء اليهودى) اهتماما واسعا فى الأوساط الإعلامية ولدى النخب السياسية الأوروبية.

لقد عشنا عقدا يكاد يكتمل من التخوّف ومن ردود الفعل السلبية فى الغرب تجاه العرب والمسلمين، وذلك بعد عمليات 11 سبتمبر، نجحت خلاله إسرائيل فى الخلط بين الإرهاب والمقاومة ضد الاحتلال، وتمكنت من القيام بسياسات عدوانية ضد الفلسطينيين دون رادع أو وازع وحيث تم التوسع فى الاستيطان وفى توسيع شبكة الطرق الالتفافية وابتلاع القدس الشرقية.

فى حين يدور فيلم الحرب الدولية على الإرهاب الذى أخرجه الرئيس الأمريكى الأسبق بوش، والذى قام بموجبه بتحديد أدوار الدول والأطراف المختلفة، وجدت إسرائيل نفسها فى معسكر الخير.

لم تعى إسرائيل أن هذه المرحلة قد أشرفت على الانتهاء عندما وجدت الولايات المتحدة والدول الأوروبية نفسها متورطة فى العراق وفى أفغانستان، حيث تواجه مجتمعات عربية وإسلامية تعبّر لها يوميا عن غضبها تجاه سياساتها الداعمة لإسرائيل.

وأصحاب النداء يسعون إلى إنقاذ التعاطف الذى مازال واسعا حتى الآن لدى النخب الحاكمة ودوائر النفوذ الاقتصادى والسياسى والثقافى والإعلامى فى الغرب، والذى كان قد تدهور بشكل ملحوظ لدى الرأى العام أمام ممارسات إسرائيل. ولم تشعر إسرائيل أن التيار قد بدأ بالتحول باتجاه التحفظ، أو حتى النفور، من الحلول العسكرية والعنف فى التعامل مع التحديات السياسية فى العالم.

وربما يكون هذا التحول قد بدأ مع العدوان الإسرائيلى على لبنان فى صيف 2006، واكتمل حتما عندما قررت إسرائيل ضرب قطاع غزة فى شتاء 2008. ولتقوم بقطع الأعشاب التى ازداد ارتفاعها، حسب عبارة الجيش الإسرائيلى، لوصف الخطر الناجم عن تزايد القدرة الفلسطينية على تحديها.

تم إطلاق نداء جى كول فى مقر البرلمان الأوروبى فى بروكسل بوجود مجموعة من المثقفين والسياسيين البارزين أغلبهم من اليهود الفرنسيين، وهو يمثل أولا رسالة قلق إزاء تدهور صورة إسرائيل فى أوروبا وتنامى الغضب عند القيادات الحاكمة، والتخوف من أن ينفذ صبر هؤلاء تجاه السلوك الإسرائيلى الذى لم يعودوا مستعدين لتبريره.

فالقوى الداعمة لإسرائيل فى أوروبا كما فى الولايات المتحدة لم تعد تهتم كثيرا بمزاج الرأى العام فيها طالما أنها باتت قادرة على الضغط على الحكومات من خلال عملٍ منظم تضمن من خلاله استمرار السياسات التى تمنح إسرائيل امتيازات معينة وعدم اتخاذ مواقف نقدية علنية من الدولة العبرية.

وبدأت الأجواء الرسمية الأوروبية فى الآونة الأخيرة تتغير فعلا نتيجة ثلاثة عوامل رئيسية: أولها، تغير الإدارة الأمريكية ووعد الرئيس أوباما بإعطاء الأولوية لملف الصراع العربى ــ الإسرائيلى وما تلاه من تصريحات مسئولين عسكريين كبار حول الخطر الذى يمثله استمرار الصراع على المصالح الحيوية الأمريكية وعلى حياة الجنود الأمريكيين فى المنطقة.

وترجمت هذه المواقف العلنية عمليا من خلال قرار الإدارة الأمريكية بالامتناع عن الضغط على الدول الأوروبية لتمتنع عن اتخاذ إجراءات أو مواقف تدين من خلالها إسرائيل، وهذا ما سمح بالتوصل إلى توافق بين الدول الأوروبية لتبنى إدانة سياسات إسرائيل فى ديسمبر الفائت من خلال تصريح للاتحاد الأوروبى يدين فيه توسيع الاستيطان وتغيير الواقع على الأرض فى القدس بالتحديد ويؤكد عدم اعترافه بأى إجراءات أحادية الجانب. العامل الثانى، يتمثل بالشعور بالحرج لدى جميع الدول الأوروبية أمام الأوضاع الإنسانية المروعة فى غزة نتيجة قرارها مقاطعة حكومة حماس والسماح باستمرار الحصار على القطاع، وخاصة بعد الضربة العسكرية الإسرائيلية.

ثالثا، وربما يكون هذا هو العامل الأهم ذو التأثير الأكبر على المدى الطويل، فلقد اشتدت فى الغرب حملات الناشطين المعارضين لسياسات إسرائيل ومن بينهم أعداد كبيرة من اليهود بعد أن فتح تقرير جولدستون الطريق أمامها، فأصبحت جهودها أكثر تركيزا واستهدافها ممارسات إسرائيلية محددة أضحى أكثر تأثيرا على الحكومات، مثل مطالبتها باستثناء البضائع المنتجة فى مستوطنات الضفة الغربية من امتياز دخولها إلى الأسواق الأوروبية دون فرض جمارك عليها كما يسمح للمنتجات الإسرائيلية الأخرى بموجب الاتفاق التجارى مع الاتحاد. هذه الحملة أدت فعلا إلى إصدار قرار للمحكمة الأوروبية بهذا الاتجاه.

إن هذا التطور الذى حصل مع تقرير جولدستون وامتناع دول أوروبية كبرى عن التصويت ضده فى الأمم المتحدة، هو الذى أثار هذا القلق لدى المجموعات اليهودية التى أطلقت نداء جى كول. فالنداء يحتوى على غموض وهلامية كاملة حيال القضايا الأساسية التى يتمنى أى مراقب محايد أن يجد مواقف واضحة منها. فعلى سبيل المثال، لا يذكر النداء شيئا عن حصار غزة ولا عن حدود الدولة الفلسطينية التى ينادى بإقامتها.

إنه يبرئ نفسه من سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية ويطالب بوقف الاستيطان فى الأحياء العربية من القدس ولم يستخدم تعبير القدس الشرقية، تاركا بذلك المجال لتفسيرات عدة لما يعتبره مقبولا أو غير مقبول. إذن فمن الواضح أن النداء خضع لمفاوضات ومساومات عدة قبل التوصل إلى نص يرضى جميع الموقعين عليه.

أشار الذين رحبوا بالنداء إلى أهمية أن توقّع شخصيات يهودية ذات نفوذ قوى ومعروفة بدعمها غير المشروط لإسرائيل على نص كهذا ينادى، ولو بلغة حذرة، أوروبا والولايات المتحدة إلى الضغط على «طرفى النزاع» للتوصل إلى تسوية مشرّفة.

لاشك بأن النداء يوحى بانقسامات داخل المنظمات الداعمة لإسرائيل ويبنى تواصلا لأول مرة بين القوى الناشطة فى ما يسمى معسكر السلام اليهودى الأوروبى وهذه الشخصيات النافذة، وهو بحد ذاته يشكل تطورا إيجابيا يدل على أزمة عميقة لدى الجاليات اليهودية.

وهنا يكمن وجه الشبه بين جى كول والمنظمة الأمريكية جى ستريت التى أنشئت منذ عام ونيف فى الولايات المتحدة رغم أن التشابه بين المبادرتين محدود لأن الأخيرة تشكلت كمنظمة فعلية ببرنامج وإستراتيجية محددة تطرح نفسها كمنظمة ضغط أى لوبى لتنافس اللوبى المعروف باسم إيباك بينما تشكل المبادرة الأوروبية مجرد نداء.


ورغم ذلك هناك بعدٌ مختلفٌ ومهم فى رأينا يتمثّل فى أن النداء لم يستخدم تعبير اللا شرعية أو خرق القانون الدولى ولا لمرة واحدة فى تعرضه لأى من القضايا ولاسيما المستوطنات. بالمقابل، فهو يشير إليها كخطأ سياسى أخلاقى، ويعتبر أن الاستمرار بالاحتلال قد يؤدى بإسرائيل إلى تبنى نظام لا يشرّفها. فاللغة المستخدمة إذا تتجنب عمدا الحجج القانونية حيث يبدو أن المجموعة تعتبر بأن تأثيرها النفسى على اليهود فى العالم كما فى إسرائيل ضعيف، أو حتى أنه يمكن أن يؤدى إلى رد فعل عكسى. وحيث إن إسرائيل تخشى أكثر ما تخشاه النقد الذى يمسّ شرعيتها فى نظر الدول والمجتمعات الداعمة لها خاصة فى الغرب. فالنداء يشير فعلا إلى خطر «نزع الشرعية» عن الدولة اليهودية.

وهنا يكمن الضعف الحقيقى فى النفسية اليهودية التى ابتدعت شرعية المشروع الصهيونى وآمنت به عندما استطاعت أن تقنع الدول الكبرى به. أما إذا وُضعت هذه الشرعية موضع تساؤل أو حتى مجرد نقاش لدى الدول التى تحمى إسرائيل، فستتعرض الدولة إلى ضعضعة أساساتها، وهذا هو الخطر الوجودى الحقيقى الذى يفوق حتما التهديدات الإستراتيجية التى يمكن أن يشكلها سلاح نووى إيرانى كما تدّعى إسرائيل. وفى ذلك عبرة مهمة للعالم العربى وللشعب الفلسطينى لحثّه على تطوير إستراتيجيته فى هذا الاتجاه الذى لا يحتاج سوى وسائل سلمية.




هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved