الخليج ــ الإمارات: ظرفاء الكوميديا السوداء
صحافة عربية
آخر تحديث:
الأحد 12 مايو 2019 - 10:40 م
بتوقيت القاهرة
نشرت جريدة الخليج الإماراتية مقالا للكاتب يوسف الحسن نعرض منه ما يلى:
يقول الكاتب: بشَّرنا أحد ظرفاء الكوميديا السوداء، ذات يوم بأن «إسرائيل بجيشها وتكنولوجياتها ومخابراتها وتحالفاتها المتينة كالبنيان المرصوص، مرعوبة جدا من العرب»!!
«وما لم يمنحها العرب الأمان والطمأنينة، فإنها ستظل مرعوبة، ولا يغمض لها جفن».
دعوت الله أن يُعظِّم شأن ذلك الظريف، فهو أول من أخبرنا بأن «إسرائيل مرعوبة مِنَّا»، رغم رداءة أحوالنا وتفرقنا. ولأننا من أمة، لا تؤاخذ على الصغائر من الذنوب، واعتادت على العفو والحلم والصفح، فقد خُيّل إليَّ، أننى أسأل ذلك الظريف: كيف لنا كعرب، أن ننزع الرعب من فؤاد «إسرائيل» ونحل مكانه الأمان والطمأنينة؟
قال، متجهما لا باسما: «من الآداب السياسية فى العلاقات بين الدول، إظهار الموافقة والإيناس، ونبذ التعصب والتحريض ضد الجيران، وضرورة الابتعاد عن نبش التاريخ، وتذكر دوما أن العرب لهم أكثر من عشرين دولة، وسكان ما شاء الله أكثر من 430 مليون نسمة. فى حين ليس (لليهود) سوى دولة واحدة». وانشغلت عنه، بمتابعة نشرة الأخبار على إحدى الفضائيات، وقلت له فجأة: «إننى أفهم أنك تطلب من الضحية أن تعطى الأمان إلى الجلاد، الذى غيَّر الواقع القانونى والديمغرافى والتاريخى القائم فى أرض فلسطين، لصالح رواية تلمودية، ورؤية عنصرية استعمارية استيطانية إحلالية؟». هز رأسه، بإشارة قد تعنى (نعم)، أى «لا ونعم» فى الوقت نفسه.
وسأل الكاتب صديقه ضاحكا، من كثرة الوجع: «ما هى يا صديقى المتطلبات الضرورية لطمأنة «إسرائيل» التى تتصف بالعدل والديمقراطية والإنصاف والإحسان إلى الفلسطينيين...!!».
وقد ذاع عدل «إسرائيل»، مع الفلسطينيين والعرب، إلى درجة أن يوما واحدا منه، صار أفضل من عبادة خاماتها سبعين عاما، واصلت حديثى، وأردفت قائلا: ويبدو أن من بين متطلبات الطمأنة والتى يرفض صديقنا الظريف، التصريح بها: «أن يمتلك كل فرد «إسرائيلى» قنبلة نووية، بجانب سريره، كوسيلة وقائية للطمأنة، وأن يتعهد العرب بتشميته إذا عطس، وترضيته بتقبيل رأسه إذا غضب، (رغم أنه ليس من أخلاقه سرعة الرضى)، وألا يقطع حديثه بالاعتراض أى من العرب».
ومن شروط الطمأنة أيضا: «أن يكون عرب الجوار الجغرافى معتدلى المزاج، ومنزوعى الدسم والسلام والأشعار الحماسية، وقليلى السعال والعطاس والتثاؤب، وإذا اقترب فلسطينى من «إسرائيلى» فى مسايرة أو محادثة فينبغى ألا يمس ثوب الأول ثوب الثانى، ولا تقترب عربته أو دابته من عربة أو دابة الآخر، وألا ينسى العرب «إسرائيل» فى الأشعار والروايات والخطب والمهرجانات العربية.
وإن اضطروا لذلك فينبغى أن يخاطبوا «الإسرائيلى» باسم «ابن العم أو أمير الشرق الأوسط وملحقاته».
ومن متطلبات الطمأنة أيضا، ألاّ يُكلِّم عربى «إسرائيليا» فى أمر قد نهى عنه أو يكرهه، وألا يرفع عربى صوته بحضرته أو حتى فى غيابه، وإذا تثاءب أى فرد «إسرائيلي» أو مد رجليه خارج تل أبيب، أو تمطى شتاء فى أغوار الأردن، أو صعد متسلقا أو مستوطنا هضبة الجولان وجبل الشيخ، أو فكَّر بالصلاة والاستيطان فى سيناء أو فى قانا، ألا يرفع عربى صوته أو يُقطِّب جبينه، أو يقطع خلوة هذا النبيل العادل الأصيل، بالاعتراض، بل أن ينصت مطرقا ومسرورا.
ومن شروط عهد الأمان والطمأنينة، أن يُهدى «للإسرائيلي» ما يحب ويشتهى، من المسك والعنبر والخز، والذهب والفضة، والتماثيل البابلية والفرعونية والآرامية.
ويستكمل الكاتب حديثه فيقول إن من الشروط أيضا، السِتْر على «الإسرائيلي»، إذا ما تورط فى حيلة أو مكيدة، أو سطا على نهر الفرات، أو على غَّواصة فى المياه الدولية، أو زوّر جوازات سفر من جمهوريات الموز اللاتينية، أو نسب لأجداده الفضل فى بناء الأهرامات، وتحرير العبيد فى الأمريكتين، أو حينما يَرْفُس القرارات الدولية وأعرافها.
قال صديقنا الظريف: «ويحك يا فلان، لقد عبرت عما فى نفسى.. وما قلته هو عين العقل، وطريق السلام والأمان.. وأضيف إلى ذلك متطلبات أخرى.. تفرضها الواقعية والحكمة، وعلى رأسها: توطين الفلسطينيين فى دول عربية خفيفة الكثافة السكانية، وفى سيناء وكندا وجزر لا يوجد فيها إنترنت، ولا مطارات ولا تُزرع فيها أشجار الزيتون، وإذا تعذر ذلك فيمكن توطينهم ومعهم مائة مليون عربى مشاكس فى مناطق على حافة العالم».
«وإذا فشلت كل هذه الخيارات فلابد من اللجوء إلى خيار تفكيك الشخصية». الذى يعتمد على قصف الوعى الكامن للعربى، بمعلومات متكررة، من خلال التنويم المغناطيسى الجماعى، عبر التغطيات الموجهة المعتمدة على التخويف والترهيب، الذى تبثه أجهزة إعلامية كبرى، وعبر بث رسائل خفية فى تضاعيف الأغانى والمسلسلات والإعلانات.. والتى تتسرب إلى الوعى الباطن للعربى، بحيث يتحول إلى إنسان ذى بعد واحد، وربط عموم العرب جميعا بجهاز كمبيوتر عملاق قادر على التحكم فى سلوكياتهم وتوجهاتهم نحو «إسرائيل».. وبعدها يكون الجو ربيعا، لا حرب ولا عنف فلسطينيا، ولا أنانية عربية، بل تعاطف وشفقة ورحمة وطمأنينة».
ويقول الكاتب فى الأخير وهو يودع صديقه: «يا صديقى الظريف أخشى أن الطمأنينة من هذا النوع الأخير لا تكفى «إسرائيل» ولا تقنعها، إنه جهد ضائع، أن تحكى للأصلع، حكاية رهيبة، يقف لها شعر الرأس».