ثورة الفكاهة وحراك قلة القيمة
وائل قنديل
آخر تحديث:
الأربعاء 12 يونيو 2013 - 8:35 ص
بتوقيت القاهرة
«تشبيه الحراك التركى بالحراك والربيع العربى يقلل من قيمة وأهمية الاعتصامات والإضرابات التركية»
ما بين القوسين ليس كلامى، بل كلام «جورسال تكين» نائب الأمين العام لحزب الشعب الجمهورى فى تركيا، أهديه لأولئك الفكاهيين المرحين الذين يرون فى أنفسهم قادة ثورة عالمية كوكبية ضد مظاهر حكم الإسلام السياسى على ظهر البسيطة، والذين أعلنوا أن 30 يونيو القادم هو موعدهم لإسقاط أنظمة الحكم فى كل من مصر وتركيا وتونس.
لقد تصور «الثوار الظرفاء» فى مصر أن العالم يضبط ساعته الثورية حسب توقيتهم، وتخيلوا أنهم إذا أصيبوا بنوبة زكام ثورية عطست الجماهير فى قارات الدنيا الست، وتحركت الجموع بإشارة منهم.
وحين اندلعت مظاهر الاحتجاج العنيف فى اسطنبول وأنقرة رأينا وسمعنا بعضا من المنتفخين وهما وجهلا بالقاهرة يروجون أن الشعب التركى انتفض وثار على إيقاعات «ثوار ما بعد الثورة» فى القاهرة، وذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك حين ادعى أن ما يدور على الأراضى التركية هو استلهام لما يبشرون به فى مصر، وأن تنسيقا تم بين مثلث «القاهرة ــ أنقرة ــ تونس» لقيادة الحرب ضد الإسلاميين فى العواصم الثلاث.
وشاهدنا فى القاهرة احتفالات طروب باتساع رقعة العنف فى الشوارع التركية، على اعتبار أن الأحداث هناك ابنة شرعية لما يدور هنا، وعلى طريقة تباهى الـ«.....» بشعر بنت أختها، غير أن كلام نائب الأمين العام لحزب الشعب التركى لصحيفة «الشرق الأوسط» أمس حمل ملمحا من الازدراء للحراك الموجود فى الشارع العربى حين قال نصا وبكل عنجهية «لا يمكن لنا أن نشبه ما يجرى فى ميدان تقسيم بما جرى فى ميدان التحرير، ولا يمكن أن نصف الوضع فى تركيا كالوضع فى دول الشرق الأوسط، فالحراك فى تونس ومصر يختلف عن تركيا التى عاشت حقبات طويلة من أجل إرساء أسس الديمقراطية منذ عدة عقود».
ويضيف «نحن لنا فى الحراك الديمقراطى تجربة طويلة، تركيا لم تكن فى أزمة اقتصادية كما كانت تعيش مصر وتونس. تركيا الآن تعيش مرحلة من النمو الاقتصادى وأصبحت من الدول ذات الاقتصاد المرتفع».
وبصرف النظر عن أن هذا الكلام المتعجرف يحمل إهانة بالغة لثورتى الربيع العربى فى كل من تونس ومصر (الربيع وليس خريف الثورة العكسية) فإن ثمة ملاحظات جديرة بالتوقف عندها: منها أن التصفيق الجهول لما تشهده المدن التركية لا يزال على أشده هنا فى مصر،
لكن الأهم فى هذا الخطاب الاستعلائى أن صاحبه لم يسلك كما يسلك «الثوار الجدد» فى مصر فيهيل التراب على نهضة تركيا الاقتصادية، ولم يصرخ «إخوان أردوغان جوعونا» ولم يهرف بأكاذيب فاخرة من تلك المنتشرة بكثافة فى فضاءات السياسة المصرية، ولم يعلن رغبة مجنونة فى استنزال كوارث على بلاده.
إن الذين لا تشغلهم كثيرا التهديدات التى تواجه نهر النيل ويحشدون لحفل الانتحار الجماعى فى 30 يونيو لا يمكن أن يتحدثوا عن استكمال ثورة.