فلنرحم معلمينا


رضوى أسامة

آخر تحديث: الأربعاء 12 يونيو 2013 - 9:00 ص بتوقيت القاهرة

تبدو المسافة بين مهنة التدريس والرضا عنها متسعة بدرجة كبيرة، فوفقا لنتائج الدراسات سنجدها من أكثر المهن الضاغطة والمؤثرة بشكل سلبى على أصحابها. وكثيرا ما صادفت فى العيادة مرضى نفسيين من المدرسين، كما لاحظت ذلك فى بعض المدارس التى أحاضر فيها.

 

تبدو لى حوادث المدرسين فى الجرائد مثيرة للتأمل، بداية من المدرسين المتحرشين بالطلبة، والمدرس فى سوهاج الذى يعاقب التلاميذ بإجبارهم على تناول البرسيم، والمدرس الذى أجبر التلميذات فى البحيرة على تصويرهن عاريات أثناء تلقيهن الدروس الخصوصية، أو المدرس الذى عاقب تلميذاً بإلقاء ماء مغلى على وجهه.

 

مثل هذا النوع من الحوادث متفرد وموجود بنسبة كبيرة داخل مهنة التدريس، فكلما ذهبت إلى إحدى المدارس أستمع لقصص عجيبة عن المدرسين. وهو ما يتفق مع نتيجة الدراسات التى تؤكد وقوعهم فريسة لضغوط العمل بدرجة أكبر من العاملين فى المهن الأخرى، مما يساعد على تفجير العديد من الاضطرابات النفسية.

 

أتساءل: لماذا لا تهتم وزارة التربية والتعليم فى دوراتها التى تقيمها لكادر المعلمين بالناحية النفسية وبناء الصلابة النفسية للمعلم، فكل ما تهتم به الاختبارات فى هذا الكادر هو كم المعلومات المتراكمة لديهم، ويسألون: «متى تتعامد الشمس كل عام على خط الاستواء؟» «ومتى يحدث الانقلاب الشتوى؟»، لكن لا يوجد اهتمام بهم كأفراد لديهم ضغوط نفسية كبيرة ولا يعرفون كيف يتعاملون معها.

 

ضغوط المدرسين لا تتمثل فقط فى الرواتب المنخفضة، فالناحية المادية تشكل أحد أوجه الضغوط لكنها ليست الوحيدة، لأن الكثير من هذه الضغوط يتعلق بالتفاعل مع التلاميذ داخل الفصل.

 

منذ يومين مثلا كان يحكى لى مدرس فى إحدى المدارس الابتدائية الأجنبية أن طفلاً فى مرحلة الحضانة سبه وأهانه أمام الفصل ولم يستطع معاقبته، لأن قوانين المدرسة تمنع العقاب وأنه شعر بضغط فظيع وإهانة أمام الفصل كله.

 

فى الحقيقة لا توجد دراسة لما يحدث فى بيئة الفصل من تحديات بالنسبة للمدرس وللتلاميذ،  فما يحدث فى هذه البيئة يجعل من المدرسين ضحايا أو معتدين.

 

يجب أن يتضمن تدريب المدرس شقين أساسيين: الأول تدريب على بناء صلابته النفسية من خلال تعلمه لمهارات التعامل مع الضغوط وإدارتها، والشق الثانى يتضمن كيف يتعامل مع الأطفال والمراهقين وكيف يحول بيئة الفصل لبيئة آمنة. ولا أجد أهمية لكم المعلومات التى يضطر المعلم إلى حفظها ليقوم بتلقينها إلى الطلبة الذين يضطرون هم أيضا إلى حفظها.

 

لو تم التعامل مع هذين الشقين لن نسمع عن مدرس قام بإلقاء ماء مغلى على طفل ليعاقبه، ولن نسمع عن مراهق قام بضرب مدرس وتكسير سيارته.

 

الإبداع فى العملية التعليمية متبادل، فالبيئة التعليمية الضاغطة التى تفرضها مناهج الوزارة على المدرسين والتلاميذ لا تفرز إلا ضغوطا واضطرابات نفسية.

 

الضغوط هى التى تفجر الاضطرابات لدى المدرسين كما لدى الأطفال، فالسن التى تأتى إلى العيادة بكثافة هى من خمس إلى سبع سنوات، أى مع بداية الذهاب إلى المدرسة والتعرض لهذه البيئة الضاغطة.

 

هناك الآلاف يتخرجون فى كليات علم النفس سنويا، ولا يقوم أحد باستغلالهم أو تدريبهم، بل يصبحوا بعد فترة هم أنفسهم عرضة للضغوط. لو تم استغلال هذا الكم الهائل من خريجى علم النفس فى المدارس وفى وزارة التربية والتعليم وتم تفعيل أدوارهم ستصبح بيئة المدرسة أفضل بكثير. لو تمت الاستعانة بإخصائى نفسى ماهر فى وضع المواد التدريبية التى يدرسها المدرسون والتى يدرسها الطلبة أيضا لاختلف الوضع كثيرا.

 

المشهد التعليمى فى مصر يحتاج إلى إعادة بناء، بداية من الاهتمام بكادر المعلمين من الناحية النفسية والاهتمام بالبيئة داخل الفصل والمدرسة.

 

كنت أقوم بمراجعة امتحان لإحدى قريباتى فى الصف الأول الثانوى بإحدى المدارس الحكومية واكتشفت كم الكوارث فيما يتعلق بمدى جودة العملية التعليمية. وفى الوقت نفسه، لا أحمل المدرس وحده مسئولية ما يحدث، المسئولية ملقاة بأكملها على وزارة التربية والتعليم، حيث لا توجد مبادئ صحية متكاملة للتربية والتعليم..

 

يضفى هذا الوضع أعباء على المدرس لا يستطيع تحملها، فيضفى هو بدوره أعباء أخرى على طلبة ليسوا مستعدين لاستقبالها فيفرزون هم أيضا العديد من الاضطرابات النفسية.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved