يديم عليهم الفرح
أهداف سويف
آخر تحديث:
الخميس 12 يونيو 2014 - 5:15 ص
بتوقيت القاهرة
الثلاثاء مساء، وأنا أحاول كتابة هذا المقال، أسمع زعيقا وهبدا وحركة غير عادية فى الشارع تحت بيتنا. أنظر من الشباك فأرى الشرطة تغلق الشارع وأدرك بعد فترة أنهم يهدمون كافيتريا. وبعد فترة أسمع الضجيج من جديد فأنظر وأرى الهدف الآن هو كشك أعرفه فى موقعه أمام بوسطة الزمالك منذ أكثر من خمسين عاما. أنزل إلى الشارع، ألتقط الصور وأسمع كلام الناس والدعاء والحسبنة وأعود مثقلة ومشتتة: هل أحاول إكمال ما كنت أكتب فيه، أم أغير مسارى لأصور الإزالة؟ أجلس بعض الوقت أمام الكمبيوتر ثم أدخل إلى السرير.
الأربعاء صباحا.. أصحى بدرى.. وأبدأ مرة أخرى فى الكتابة. تأتى السيدة التى تساعدنى فى
شئون المنزل وتصيح: شفتى؟ هدوا كشك الراجل الغلبان اللى قدام البوسطة. شفتى؟ أهدئها وأقول نتكلم بعد ما أبعت الشغل. أجلس إلى المكتب. يرن التليفون وتعلن الشاشة: ليلى سويف. أحييها بكلمة واحدة: «خير؟» على بالى عبدالله الشامى ومحمد سلطان. مضربين عن الطعام احتجاجا على ظروف حبسهم. مضربين من أكثر من ١٣٠ يوما وحالتهم ــ بالذات محمد سلطان ــ خطر. الدولة المتبلدة لا يهمها أن يموت الشباب، بالعكس، يمكن قلتهم أحسن. ليلى مضربة عن الطعام منذ أسبوعين تضامنا مع عبدالله ومحمد ونحن جميعا فى حالة انتظار وخوف وتأهب.
لكن المكالمة هذا الصباح لا تخص عبدالله الشامى ومحمد سلطان، بل تخص نوبى وعلاء عبدالفتاح. هذا الصباح جلسة قضية مجلس الشورى، وهى الجلسة الغير إجرائية الأولى حيث سيبدأ بحث القضية وسيبدأ كلام النيابة وكلام المحامين إلى آخره. تقول ليلى إن القاضى قد عقد الجلسة فى موعد مبكر وبدون المحامين وحكم على كل الشباب غيابى بخمسة عشر سنة حبس. المحامون، ومنهم الأستاذ أحمد سيف، والد علاء، كانوا يمرون بإجراءات التسجيل والتفتيش. وفين علاء؟ علاء ونوبى ذهبا مبكرا مع الأصدقاء وجلسوا على القهوة خارج معهد الأمناء بطرة فى انتظار استدعائهم وجاءت المباحث وأخذتهما من على القهوة.
يعنى قبضوا على علاء تانى.
نتشاور فى هل تدخل ليلى لتخبر والدنا بهذا التطور؟ أم ننتظر إلى المساء ربما تتضح الأمور؟ نتفق على إخباره لأنه ممكن يعرف من أى طريق آخر. ستدخل إليه ثم تذهب إلى منال وخالد.
وأنا؟ أنا سأفتح مقالى لأصوات شباب آخرين يحبسون أو ينكل بهم. كنت أحاول أصلا كتابة إطار لقصصهم. لا داعى لهذا. كلنا نفس الإطار ونفس القصة.
عبدالرحمن الجندى ووالده محمد الجندى
عبدالرحمن، ١٨ سنة، كان سيبدأ الدراسة فى الجامعة الألمانية فى ٧ أكتوبر. حاصل على مجموع ٩٩.٦٪ فى الثانوية العامة ــ بعد إضافة المستوى الرفيع والتفوق الرياضى. محمد الجندى، بكالوريوس إعلام القاهرة، ١٩٨٨. صاحب شركة للدراسات التسويقية. يعانى من ضغط الدم ونقص بروتين S فى الدم مما يجعله عرضة للجلطات.
سلمى الجندى، أخت عبدالرحمن، كتبت لى تصف كيف أُخِذ والدها وأخوها «من داخل السيارة أثناء توجههم لزيارة جدتى يوم ٦ أكتوبر ٢٠١٣. قام ضباط مباحث التليفونات بايقاف السيارة أثناء مرورهم بمنطقة رمسيس (أمام جريدة الجمهورية) وهددوهم باطلاق الرصاص الحى عليهم إن لم يترجلوا من السيارة فترجلوا منها واقتادوهم إلى سنترال رمسيس وقالوا لهم أنهم سيمكثوا هناك لبعض الوقت حفاظا على حياتهم لأنه ستمر مسيرة فى هذه المنطقة ومن المتوقع أن يكون هناك أحداث عنف، حتى أنهم أخذوا مفاتيح السيارة وأدخلوها إلى السنترال لركنها بعيدا عن الأحداث حتى لا تتحطم، وأبلغ والدى بذلك أحد الضباط بالسنترال ثم أعادوا اليه مفاتيح السيارة (نوع السيارة: شيفروليه كابتيفا).
وقام والدى وأخى بأداء صلاة العصر والمغرب والعشاء فى السنترال مع الضباط وكانت المعاملة جيدة جدا حتى أن الضابط المسئول أحضر العسكرى الذى أساء إلى أخى وأمره بالاعتذار إليه وإحضار عصير. وحتى المساء كان السنترال قد امتلأ بالناس ومنهم مصابون وكانت هناك أصوات فى الخارج توضح أن هناك أحداثا عنيفة. فى نهاية اليوم قاموا بجمع الناس للخروج من السنترال فتوقع أبى وأخى أنهم سيأخذون السيارة ويعودون للمنزل ولكن فوجئوا بأن الجميع يتم أمرهم بركوب سيارة الترحيلات وأخذوهم إلى قسم الأزبكية ووضعوهم مع الباقين فى التخشيبة ولم يستمع أحد لكل محاولات أبى لإفهامهم أنهم قد أخذوهم خطأ؛ وبعد منتصف الليل رحلوهم إلى «معسكر السلام» وجاءت النيابة فى اليوم التالى إلى المعسكر وأخذوا ٤ أيام على ذمة التحقيق وفوجئنا فى الصباح التالى أنه تم تغييرها إلى ١٥ يوما؛ وفى يوم وقفة العيد ذهبنا لزيارتهم فقالوا لنا إنهم أخذوا إفراج وعلينا الذهاب إلى القسم لاستلامهم وعندما ذهبنا لم نجدهم ولم يكن لدى القسم أى فكرة عن هذا الأمر وبعد عدة اتصالات علمنا أنهم تم ترحيلهم إلى «سجن المرج العمومى» وما زالوا هناك حتى الآن.
وفى كل مرة تذهب إليهم النيابة للتجديد (تم التجديد لهم ١٥ يوما ثلاث مرات ثم ٤٥ يوما مرتين) وفى أثناء الـ٤٥ يوما الأخيرة تم إحالتهم إلى محكمة الجنايات وعلمنا أنه تم تحديد جلسة يوم ٣ مارس ٢٠١٤ بمعهد أمناء الشرطة بسجن طرة وذهب المحامون لتصوير أوراق القضية عندما سمح لهم بذلك وفوجئوا جميعا بأن النيابة سحبت القضية فذهبنا إلى النيابة للسؤال عن القضية فقال رئيس النيابة بمحكمة شمال أنهم لم يسحبوا القضية ولا يعلموا عنها شيئا منذ أن أحالوها وترددت أنباء من هنا وهناك أن القضية بها أوراق ناقصة لم تكتمل. وها قد انتهت مدة
الـ٤٥ يوم الأخيرة ومازالوا محبوسين ظلما ولا نعرف متى سينتهى هذا الظلم وما المرجعية القانونية لحبسهم».
القضية الآن مؤجلة إلى ١٥ يونيو ـ أى بعد ثلاثة أيام.
سلمى الجندى، أخت عبدالرحمن، داخلة على الثانوية العامة، تعشق كرة الباسكت وتلعبها كل يوم، تقود حملة مساندة لأبيها وأخيها وللمحبوسين معهما، كتبت لى تحثنى أن أفعل شيئا. تخبز الكيك وتأخذه إلى السجن. تصر على لعب الباسكت وتغرد «والله تيتا دى عسل بقولها أنا نازلة النادى ألعب باسكت تيجى معايا؟ قالتلى ﻷ يا حبيبتى مينفعش لاحسن أغلبك وبعدين ممكن تكتئبى!» تفرح بالأفلام الجديدة وتتمنى أن يخرج أخوها من السجن ليشاهد The Fault in Our Stars فى السينما. سلمى حاصلة على «شهادة تقدير» من «أحرار سجن المرج» لثباتها وصمودها، موقع عليها كل الشباب المحبوس، وهى تغرد: «أقسم بالله احنا لسه صغيرين ع ال احنا حاسينه ده! ازاى الاكتئاب والحزن ده فى الفترة ال المفروض تكون أحسن فترة فى عمرنا!»
اتبعوها على تويتر:
@Salma_ElGendy
ياسين صبرى، عضو جبهة طريق الثورة وحزب مصر القوية
قبضوا عليه فى ١٢ يناير ٢٠١٤ من محيط جامعة الأزهر وهو ذاهب لحضور امتحان نصف السنة فى الكيمياء. ومحبوس احتياطى من وقتها. عرض على النيابة مرة واحدة فى ١٣ يناير فقررت حبسه ١٥ يوم على ذمة التحقيق وصار الحبس يجدد غيابى على الورق دون أن يعرض على النيابة. كان من المقرر أن تكون أول جلسة موضوعى يوم ٢٨ مايو لكنها أجلت مرتين لأن الداخلية «تعذر عليها» نقل المتهمين.
الرابط: tinyurl.com/owqg2b3
هانى مصطفى عامر، ٣١ سنة
الإثنين ١٦ ديسمبر ٢٠١٣، هانى عامر وصديقه أحمد سليمان موجودان بمكتب رئيس حى ثالث بالإسماعيلية لعمل ترخيص لـ«مظلة» فى الدور الأرضى لشقة. يقتحم مسلحون بالزى المدنى المكتب ويختطفون هانى وأحمد.
فى ٢٦ يناير تعلم الأسرة أن هانى وأحمد عرضا على نيابة أمن الدولة فى القاهرة، وأنهم أخذوا إلى سجن العازولى، وفصلا عن بعض وتعرضا لتعذيب شديد.
وفى ٨ أبريل تصل رسالة لأهل هانى عن طريق أحد اهالى المعتقلين فى سجن العقرب شديد الحراسة تفيد بأن هانى موجود حاليا بسجن العقرب بعد نقله من سجن العازولى وانه قد تعرض لتعذيب شديد واتكسرت رجله واتخلع كتفيه الإثنين وأنه قد تم نقله لسجن العقرب من أكثر من ١٥ يوما، فيتوجه المحامى للنيابة بعد معرفة أن هانى متواجد فى سجن العقرب وإن هناك تحقيقات بتتم معه فعلا فى مكان محسبه، ويتقدم المحامى بطلبات زيارة فيتم تجاهلها جميعا ولا يسمحوا لأهله بزيارته ولا للمحامى بالحضور معاه فى التحقيقات.
الأحد ١١ مايو يتم الإعلان بشكل إعلامى رسمى عن قضية رقم ٤٢٣ لسنة ٢٠١٣ أمن الدولة العليا المعروفة باسم «انصار بيت المقدس» ليظهر اسم هانى عامر من ضمن المتهمين المقبوض عليهم وانه المتهم رقم ٥.
الرابط: tinyurl.com/qambas7
•••
تغريدة من أحد الشباب، تلخص معانى من معانى الإنسانية: «عايز تفرح بالسيسى افرح بس بصوت واطى عشان فيه ام ابنها معتقل».