نبيل العربى.. وجامعة الشعوب العربية
زياد بهاء الدين
آخر تحديث:
الثلاثاء 12 يوليه 2011 - 9:03 ص
بتوقيت القاهرة
رغم خطورة الأحداث فى ميدان التحرير هذا الأسبوع، فإن بدء عمل نبيل العربى أمينا عاما جديدا لجامعة الدول العربية لا يجب أن يمر مرور الكرام، ليس فقط لأهميته وإنما كذلك لارتباطه الوثيق بالثورة المصرية وبتداعياتها فى الوطن العربى. أما عن نبيل العربى وسمعته ومكانته فهما ليسا بحاجة لتعليق أو إضافة، فهناك إجماع مصرى وعربى على أنه أفضل من يمثل مصر أمينا عاما للجامعة، وأفضل من يمثل الجامعة برئاسته لها. الموضوع الجدير بالاهتمام ليس شخص الأمين العام وإنما مستقبل المؤسسة فى الظروف المضطربة التى يمر بها الوطن العربى وما يمكن أن يقوم به من أجل إحداث نقلة نوعية فى مكانتها وطبيعة العمل الذى تقوم به.
جامعة الدولة العربية اليوم بحاجة ماسة للتحول من جامعة للدول وللحكام إلى جامعة للشعوب العربية، ليس اسما وإنما فى المعنى والمضمون، وهذا فى تقديرى التحدى الأكبر الذى يواجه أمينها العام الجديد وسوف يكون حاسما فى أن يعود للجامعة دور مؤثر فى الساحة العربية أو أن تستمر فى الاضمحلال. فالجامعة نشأت فى ظروف دبلوماسية تنتمى لعالم ما قبل الحرب العالمية الثانية، عالم الدبلوماسية الرسمية والتمثيل المنفرد لوزارات الخارجية ومؤسسات الحكم الملكى والرئاسى المستبد. هذا وضع اختلف فى العالم كله فى العقود الماضية إذ صارت قوى المجتمع الشعبية والأهلية تشارك فى العمل الدبلوماسى وتعبر عن مطالب الشعوب لا الحكومات، ولو كان من خلال وزارات الخارجية والقنوات الدبلوماسية الرسمية. مصر لم تعرف ذلك إلا مؤخرا من خلال تجربة الدبلوماسية الشعبية التى جسدت فكرة أن قضية المياه تمس الشعب بأكمله وعليه أن يشارك فى صنع القرار بشأنها لا أن يقف موقف المتفرج بينما الدبلوماسيون الرسميون يحددون مصيره. ولكن هذا التغير لم يحدث فى العالم العربى وبالذات فى الجامعة العربية التى ظلت مخلصة لدبلوماسية القرن التاسع عشر. والفرصة سانحة الآن أمام نبيل العربى لكى يبدأ فى اللحاق بركب تأخر كثيرا، وهو تحويل جامعة الدول العربية من ملتقى للحكام إلى تجمع للشعوب والتعبير من خلالها عن رؤى ومطالب شعبية وأهلية لا عن سياسات الحكم فقط.
من جانب آخر فإن نبيل العربى يتولى منصبه فى وقت تجتاح الوطن العربى فيه رياح الثورة الشعبية. هناك بلدان قامت فيها الثورة بالفعل ونجحت فى تحقيق بعض أهدافها، وبلدان أخرى تعيش صراعات مخيفة ودامية ليس على السلطة فقط وإنما على استمرار الدولة بشكلها الحديث، وبلدان تسعى لتجنب ذات المصير عن طريق الإسراع بإصلاحات قد تنجح وقد تفشل فى وقف المد الثورى، وأخيرا بلدان تجتهد لوقف رياح الثورة من الوصول إلى شواطئها عن طريق بذل كل جهد ممكن مشروع وغير مشروع. مع ذلك، وبرغم هذا التناقض الشديد فى أوضاع البلدان التى تتشكل منها جامعة الدول العربية، إلا أن تقديرى أن أمينها العام الجديد ليس أمامه اختيار سوى الانحياز للثورة العربية مهما كانت العواقب. فالمستقبل فى نهاية الأمر سوف يكون فى صف الشعوب مهما كانت الظروف تبدو قاتمة فى معظم الدول العربية. وكما كان نبيل العربى وزير خارجية مصر الثورة، فعليه أن يكون أمينا عاما جامعة الدول العربية التى تنحاز للشعوب وللحرية ولو بالمخالفة لرغبة حكامها، فهؤلاء ليسوا أعضاء الجامعة وإنما دولهم وشعوبهم هم الأعضاء الحقيقيون. والجامعة أمامها اليوم فرصة تاريخية للانحياز بوضوح لمصلحة الشعوب بدلا من الاستمرار فى سياسات الحل الوسط التى كبلتها لعقود طويلة.
وأخيرا فإن جامعة الدول العربية بحاجة لإعادة تحديد لأولوياتها فى الظروف الحالية. واقتراحى أن يكون هدفها الرئيسى خلال الفترة المقبلة هو التحول إلى مؤسسة غرضها الرئيسى تحقيق التكامل والتنسيق الاقتصادى العربى. وأتعمد استخدام كلمتى التكامل والتنسيق لا الوحدة لأن حلم الوحدة لا يجلب سوى الإحباط والتوقعات التى لا مجال لها فى عالم اليوم. التجارب التى نجحت فى العالم كله فى التعاون الإقليمى فى الخمسين عاما الماضية لم تنجح إلا لأنها وضعت نصب أعينها قضية التنسيق والتقارب والتكامل الاقتصادى محورا لكل جهد آخر وأساسا تنطلق منه كل المبادرات والسياسات الأخرى. فى أوروبا، وفى آسيا وفى أمريكا الجنوبية، لم يتحقق التكامل بين الشعوب إلا من بوابة التنسيق الاقتصادى. والاتحاد الأوروبى هو المثال الأنجح على مشروع بدأ بالتنسيق بين ألمانيا وفرنسا فى مجال إنتاج الحديد والصلب ثم تطور حتى صار أقرب ما يكون إلى الوحدة الكاملة بمعناها الحديث. التنسيق الاقتصادى العربى هو أن تعمل جامعة الدول / الشعوب العربية على وضع وتطبيق أجندة تنسيق اقتصادى وأن يكون هذا هو محور وجل اهتمامها فى السنوات المقبلة، فتحقق بها نتائج حقيقية وملموسة تعطى الشعوب الثقة فى مصيرها المشترك وتربط مصائرها بروابط لا يمكن إهمالها ولا القفز عليها عند نشوب الخلاف السياسى. ولكى لا يكون اقتراحى نظريا فإن هناك على الأقل ستة ملفات يمكن البدء بها، توحيد وتقريب القوانين الاقتصادية والتجارية فى البلدان العربية، وتطبيق اتفاق واحد جمركى بينها، وإنشاء مبادرة مشتركة للاستثمار البينى، وطرح برنامج قومى مشترك لشبكات النقل والمواصلات، ووضع إطار جديد أكثر حرية لانتقال العمالة وضمان حقوقها، والتعاون فى مجال الرقابة المالية والمصرفية.
كيف يمكن الحديث عن مستقبل الجامعة العربية وإغفال دورها السياسى، وما يجب عليها القيام به لدعم صمود الشعب الفلسطينى، والوقوف بجانب وحدة واستقلال العراق، والدفاع عن الموارد المائية لمصر وسوريا ولبنان، والتصدى للانقسامات الطائفية والمذهبية؟ الواقع أن الحكام العرب قد نجحوا بالفعل فى إقصاء الجامعة العربية عن القيام بأى دور سياسى مؤثر وتركوا لها المراسم والاحتفالات، بينما ملفات السياسة العربية كلها يتم التعامل معها ثنائيا وكأن المصير المشترك للوطن العربى لا قيمة له. هذا خطأ تاريخى تم ارتكابه وتحقق بالفعل. ولكن العدول عنه، وعودة الجامعة لمزاولة دور فعال فى الدفاع عن الأمن القومى العربى، واستقلال بلدانه، وحرية أراضيه لن يتحقق إلا من خلال ما اقترحته، أى من خلال عملية تحويل الجامعة إلى مؤسسة تعمل لصالح الشعوب، وتنحاز لحرياتهم، وتسعى لربط مستقبلهم برباط اقتصادى مشترك. هذا هو أول الطريق لعودة الجامعة العربية للقيام بدورها السياسى والاجتماعى والثقافى المنشود.. فهل ينجح نبيل العربى فى هذا التحدى الكبير؟