زفاف الآنسة (M)
نيفين مسعد
آخر تحديث:
الخميس 12 أغسطس 2010 - 3:00 م
بتوقيت القاهرة
«يتشرف الأستاذان فلان وفلان بدعوة سيادتكم لحضور حفل زفاف المهندس عبدالوهاب نجل الأول على الآنسة (M) كريمة الثانى، وذلك بمشيئة الله فى تمام الساعة الثامنة من مساء يوم الجمعة الموافق 27 رجب 1431 هـ بقاعة كذا بدار كذا. اللهم بارك فيهما ولهما واجمع بينهما على خير».
كانت هذه هى بطاقة الدعوة التى وجدتها على مكتبى قبل شهر عندما عدت من سفر قصير للخارج. لم يكن اسم العريس يوحى لى لأول وهلة بسابق معرفة، وهذا يعنى أن العروس التى تشير لها الدعوة بحرف (M) هى داعيتى، فمن عساها تكون الآنسة (M)؟ طالبة سابقة؟ ابنة إحدى الصديقات حملت دعوة والدتها لى؟ فتاة حديثة عهد بمعرفتى بدليل أنها لا تعرف من بياناتى إلا عنوان العمل؟.
لم تترك لى صيغة الدعوة فرصة لتلبيتها فليس من المعقول أن أجامل شخصين لا أعرفهما أو فى القليل لست متأكدة من علاقتهما بى. أدهشتنى بشدة هذه الصيغة ثم علمت لاحقا أنها تشيع فى عديد من الأفراح التى توصف بأنها إسلامية وذلك حتى لا يذيع اسم العروس بين المدعوين.
علمت أيضا أن تلك الصيغة تتخلل طبقات مختلفة ومستويات تعليم متنوعة، وكانت بطاقة الدعوة التى تلقيتها مصداقا لذلك، فالأرجح أن العريس المهندس عندما يقرر الارتباط فإنه يختار فتاة جامعية، كما أن إقامة الزفاف فى إحدى دور الاحتفال علامة على يسر الحال.
أولى ملاحظاتى على بطاقة الدعوة أنها تمثل انقطاعا عن ميراث السلف الصالح الذى يؤكد الإسلاميون ــ والأرجح أن منهم العروسين ــ تشبثهم به فى المظهر ولغة الخطاب وبعض العادات. فوالدة النبى عليه الصلاة والسلام ومرضعته وبناته وجميع أمهات المؤمنين أسماؤهن معلومة للكافة، ولم يحدث ولا جرؤ أحد على أن يرمز للسيدة آمنة بالرمز (A)، أو للسيدة حليمة بالرمز (H)، أو للسيدة خديجة بالرمز (K).
كانت بعض الصفات تُطلق على عدد منهن ــ رضوان الله عليهن جميعا ــ لكنها أبدا لم تكن بديلا لأسمائهن، وهكذا وُصفت السيدة عائشة بالحميراء، وعُرفت السيدة أسماء بذات النطاقين، والسيدة فاطمة بالزهراء. فما بال البعض منا يُدخلون على سنة النبى وآل بيته وصحبه وخلفائه ما لم يبدر منهم أو يَرد عنهم؟
ملاحظتى الثانية أن الدعوة تتعامل مع اسم المرأة بوصفه عورة واجبة الستر والإخفاء، وبهذا فإن بعض شرائح المجتمع تأخذنا بالتدريج من إخفاء وجه المرأة إلى إخفاء صوتها إلى إخفاء اسمها فهلا تبقى بعد ذلك شىء للمرأة أو بتعبير أدق شىء من المرأة؟
ملاحظتى الثالثة أن اختزال اسم المرأة فى حرف يعنى تجهيلها فى شأن هو من أخص شئونها بينما هى تُضطر للإفصاح عن اسمها الثلاثى وأحيانا الرباعى فى المراحل الدراسية المختلفة، وفى تعاملات الحياة اليومية، وفى الدوائر الحكومية، وفى مصلحة العمل إن كانت تعمل، فكيف يُشهر اسم المرأة فى الشأن العام ويُحجب فى المناسبة الأكثر خصوصية بالنسبة لها؟
كم هو ظالم أن يتلقى العريس التهنئة لشخصه وباسمه بالفم الملآن وتُبنى العروس للمجهول يوم زفافها. إن الأصل فى العرس هو إشراك الآخرين فى طقوس الاحتفال واقتسام الفرحة معهم، فإن كنا نخجل من مدعوينا ونحجب عنهم أسماءنا فلماذا ندعوهم من الأصل؟
ملاحظتى الأخيرة تدور حول الحكمة من اختزال اسم العروس فى حرف لاتينى، وتلك أقل الملاحظات أهمية لا لشىء إلا لأن الرمز لاسم العروس مرفوض بكل الحروف وفى كل اللغات، أقول ذلك حتى لا يخرج علينا غدا من يستخدم فى الرمز حروفا عربية: (ن) أو (م) أو (س) معتقدا أنه صحح وضعا خاطئا. فالمقصود من الملاحظة هو الاستفهام عن سبب استدعاء الغرب فى تفاصيل حياتنا الشخصية من طرف من يدعون باستمرار إلى تجنبه.
لقد أولى الرسول الكريم موضوع الأسماء اهتماما خاصا فبها نُنادَى يوم القيامة كما نُنادَى بأسماء آبائنا، وقد نهى عليه الصلاة والسلام عن أسماء معينة وفضل أخرى، ولولا أن الأصل فى تلك الأسماء هو الذيوع ما كان هذا الاهتمام. أسماؤنا هى نحن وعندما نٌلغيها أو نغيرها أو نختزلها فأى معنى للفرح يكون؟.