مرسى والمسألة الإسرائيلية
خليل العنانى
آخر تحديث:
الأحد 12 أغسطس 2012 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
فتحت العملية الإجرامية التى وقعت ضد الجنود المصريين فى رفح ملفا مسكوتا عنه فى مرحلة «ما بعد الثورة» وهو ملف السياسة الخارجية المصرية خاصة تجاه إسرائيل. وبغض النظر عمن يقف خلف هذه العملية، إلا أنها تمثل تحديا وانتهاكا نوعيا للسيادة المصرية ربما هو الأول منذ السبعينيات. ولسوء الحظ فقد أثبتت العملية أن سياسة رد الفعل لا تزال تحكم بوصلة السياسة الخارجية وليس التفكير الاستراتيجى المستقبلى. فمنذ توليه الرئاسة قبل أكثر من شهر، لايزال الرئيس محمد مرسى غائبا (وربما مغيّبا) عن ملف السياسة الخارجية، خاصة فيما يتعلق برسم العلاقة مع تل أبيب والتى يُفترض أنها ترتبط بمعاهدة سلام مع مصر اتفقنا أو اختلفنا حول مضمونها وبنودها ولكنها أمر واقع.
وللحق فإن مرسى فى موقف لا يحسد عليه فيما يخص العلاقة مع إسرائيل. فهو من جهة لا يمكن أن يقوم بعمل تغيير جذرى فى السياسة المصرية تجاه إسرائيل على الأقل خلال المرحلة الحالية. وذلك لعدة أسباب أولها أن رسم محددات العلاقة وشكلها كان ولا يزال ملفا رئيسيا فى أيدى المخابرات المصرية. وكان دور الرئاسة المصرية هو دور توجيهى للخطوط السياسية العامة وليس دورا تنفيذيا. وثالثا، لا يمكن لأحد أن يتحمل فاتورة إحداث تغيير فى السياسة المصرية تجاه إسرائيل لا مرسى ولا جماعته ولا المجلس العسكرى. فالرأى العام المصرى ورغم كراهيته المعروفة للدولة العبرية فإنه يستبعد خيار المواجهة العسكرية معها خاصة إذا كانت ذات رداء أيديولوجى معين. فمصر ليست إيران، والإخوان ليسوا الملالى.
●●●
ومن جهة أخرى لايزال مرسى رهين المحبسين، محبس الإخوان المسلمين من جهة ومحبس العسكر من جهة أخرى. وهو ما يجعله عاجزا، إن هو أراد، عن اتخاذ سياسة محددة تجاه إسرائيل. فمرسى يخشى أن يتبنى أى سياسة تجاه إسرائيل سواء سلبا أو إيجابا بسبب علاقته القوية بجماعة الإخوان والتى لايزال لها دور لا تخطئه العين فى سياسة مرسى الداخلية، ولا يستبعد أن يكون لها نفس الدور فى رسم السياسة الخارجية ولو بعد حين. فى المقابل لا يمكن لمرسى أن يغامر بعلاقته مع المجلس العسكرى على الأقل خلال هذه المرحلة من خلال تبنى سياسة مخالفة لأعراف وتقاليد المؤسسة العسكرية التى تعتمد الحذر الاستراتيجى و«الصبر» التكتيكى فى العلاقة مع تل أبيب.
ومن جهة ثالثة، لن يصبر الشعب المصرى كثيرا على حالة «اللا موقف» التى يتبعها الرئيس مرسى تجاه إسرائيل. فهو بات أشبه بمن يهرب من شمس تموز فى صحراء البادية. وسوف يضطر إن أجلا أو عاجلا لاتخاذ مواقف واضحة تجاه إسرائيل ليس فقط بسبب اتفاقية السلام التى تربطها بمصر، وإنما لأن الجيش الإسرائيلى يقبع عند حدود بوابتنا الشرقية وهو ما يمثل تهديدا جديا للأمن القومى المصرى. فإسرائيل ورغم ارتباطها بمعاهدة سلام مع مصر لكنها لن تتورع عن استخدام الحدود كورقة للضغط على مرسى فى ملفات كثيرة ليس أقلها شأنا العلاقة مع حماس والموقف من إيران. وهى قد فعلت وقامت باختراق الحدود أكثر من مرة خلال العقود الثلاثة الماضية وقتلت الكثير من الجنود المصريين بادعاءات مختلفة.
كما أنه ليس متصورا أن يتبنى مرسى سياسة عدائية تجاه إسرائيل اتساقا مع رؤية جماعته. فالإخوان رغم عدائهم الشديد لإسرائيل والذى يصل لدى بعض قياداتها إلى حد عدم الاعتراف بوجودها أصلا فإنه ليس بمقدورهم الخروج عن المزاج العام المصرى الذى يرفض الدخول فى مواجهة مع إسرائيل على أرضية إخوانية. ولعل أقصى ما قد تدفع باتجاهه الجماعة هو تقديم كل أنواع الدعم لحركة حماس فى قطاع غزة. وهو ما حدث حين أمر الرئيس مرسى بفتح معبر رفح يوميا وبدون انقطاع والسماح للفلسطينين بالعبور دون تأشيرات أو إذن دخول. وهو إجراء باعتقادى رغم وجاهته الانسانية لكنه كان بحاجة إلى قدر من التفكير فى كيفية تنفيذه حتى لا تترتب عليه نتائج سلبية يكون من شأنها تعكير العلاقات الفلسطينية المصرية وذلك على غرار ما حدث بعد العملية الإجرامية التى وقعت ضد الجيش المصرى وقيل إن عناصر جهادية فلسطينية ومصرية قامت بتنفيذها.
●●●
ما هو مطلوب من مرسى الآن هو العمل وبأسرع وقت على بلورة رؤية سياسية واضحة لكيفية إدارة العلاقة مع إسرائيل، على الأقل من الناحية الاستراتيجية والأمنية وليس السياسية. وهو ما قد يتحقق من خلال آليتين: أولهما تشكيل لجنة استشارية غير حزبية (أو مركز بحثى) تابعة لرئاسة الجمهورية تختص بالتعاطى مع الملف الإسرائيلى باعتباره ملف أمن قومى معقدا وذات أبعاد داخلية وخارجية ويمكن لهذه اللجنة أن تضم دبلوماسيين سابقين وخبراء عسكريين واستخباراتيين وباحثين ممن لهم دراية وخبرة بالمسألة الإسرائيلية وهم كُثر (على سبيل المثال لا الحصر لدينا الدبلوماسى المخضرم الدكتور عزالدين فيشر، والأستاذ القدير قدرى حفنى، والدكتور عبدالعليم محمد والدكتور عماد جاد وغيرهم كثير) وبانتظار أن تأتى المبادرة من الرئاسة. والآلية الثانية هى أن يتم تشكيل مجلس مصرى ــ فلسطينى (أو لجنة مشتركة) تختص بالنظر فى كل القضايا المتعلقة بين الطرفين (ضبط الحدود، التنسيق الأمنى، ضبط العلاقات الاقتصادية والتجارية والفنية..إلخ)، وذلك حتى يتوقف اللغط حول العلاقة بين حماس والإخوان من جهة، وألا يفقد الفلسطينون الدعم المصرى من جهة أخرى. ولا أعتقد أن ثمة مشكلة فى الأخذ بأى من هذين الاقتراحين أو كليهما وذلك إذا ما توافرت الإرادة السياسية.