الطاولة المستديرة والكتلة التاريخية الديمقراطية
عبد الفتاح ماضي
آخر تحديث:
الإثنين 12 أغسطس 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
تمر مصر بحالة سيئة من الاستقطاب السياسى والتمزق المجتمعى، ويبدو أن الكثيرين لا يدركون الأبعاد المختلفة لهذه الحالة على مستقل الدولة بمؤسساتها المختلفة وعلى المجتمع ذاته بعلاقاته المتعددة. ولا يمكن الخروج من هذا إلا بحل وسط تقدم فيه كل الأطراف تنازلات متبادلة بهدف حقن الدماء وتشكيل كتلة تاريخية ديمقراطية تعيد رسم المسار الديمقراطى عبر مشاركة موسعة. وفيما يلى بعض المقترحات للمناقشة.
●●●
أولا: تستوجب أبجديات الرشد السياسى أن تستوعب كافة الأطراف عمق الأزمة وتدرك عدة حقائق على الأرض، أهمها:
1. إن المجتمع منقسم انقساما حادا، وللدين دور مؤثر هنا.
2. هناك وضع أمنى خطر فى سيناء والمناطق الحدودية، وهناك تدخل لأطراف إقليمية ودولية.
3. انحياز الجيش لطرف وعزله للرئيس باعتبار أن هذا الطرف يمثل الإرادة الشعبية ومنعا للانقسام كما أعلن. لكن النتيجة أن الانقسام تعمق، وبعد دعوة التفويض فى 24 يوليو صار الجيش طرفا واضحا فى الصراع السياسى.
4. للرئيس المعزول أنصار بالملايين، وهم لن يتركوا الميادين بالنظر إلى ممارسات الإقصاء المستمرة منذ 30 يونيو، وبالنظر إلى محنهم السابقة فى الخمسينيات والستينيات.
5. الحلول الأمنية (وتصور أنه يمكن قمع مناصرى مرسى وإعادتهم لبيوتهم بالقوة) لن تنجح، وهى لن تؤدى إلا إلى شلالات من الدم وعرقلة المسار الجديد وانهياره ولو بعد حين.
6. لن يُكتب للمسار الحالى النجاح مع وجود هذه المعارضة القوية، فلم يحدث أن نجحت حالة تحول ديمقراطى مع وجود استقطاب حاد بهذا الشكل ومع اقصاء فريق أساسى. هذه حقيقة شبه علمية تقدمها لنا أدبيات التحول السياسى. والوصول للديمقراطية يحتاج كتلة تاريخية ديمقراطية تشكل من الجميع.
7. ومن الصعوبة إعادة عقارب الساعة للوراء بالنظر إلى حالة الاستقطاب الشديدة ومعارضة قطاعات واسعة لمرسى، وأيضا بسبب الأخطاء التى ارتكبها واعترف بها قبل إسقاطه.
8. ومن الخطورة الذهاب لانتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة أو تعديل الدستور فى ظل هذا الاستقطاب الحاد. فالانتخابات ووضع الدساتير أو تعديلها لابد أن يسبقها رضا عام وتوافق على الاجراءات والقواعد، وبدون هذا ستعمق هذه الخطوات الأزمة، تماما كما حدث مع استفتاء مارس2011 ودستور2012. إن الاحتكام للصناديق يعالج الاختلافات فى الدول الراسخة ديمقراطيا حيث الممارسة الديمقراطية المستقرة والقضاء المستقل والمحايد.
●●●
ثانيا: يوجد متطلبات أساسية للحلول الوسط، أهمها أن تسبقها إجراءات لبناء الثقة، وأن توضع بمشاركة الجميع، وأن لا تلبى مصالح طرف على حساب الآخر فلا يخرج كل طرف إلا بجزء من مطالبه، نظرا لأن إقصاء الآخر غير ممكن، وهو (إنْ تحقق) سيؤدى إلى تدمير الطرفين معا، وبالتالى فإن بقاء كل طرف هو شرط لنجاح الآخر. فهل من عقلاء؟
ثالثا: تقوم المبادرة على مرحلتين، الأولى خطوات متبادلة لإعادة الثقة: فعلى الجيش (الذى تدخل لصالح طرف فأدى هذا إلى تعميق الانقسام وليس حله) أن يعيد النظر ويقدم تقديرا جديدا للموقف بما يضمن مشاركة الجميع فى وضع المسار، وأن يكون الجيش حارسا لا حاكما. أى على الجيش التدخل مرة أخرى لا لحساب طرف وإنما لجمع الطرفين على طاولة مستديرة ليشتركا معا فى حل الأزمة التى عصفت بالمؤسسات الشرعية، وشغلت الجيش عن مهامه الأصلية.
وعلى الإخوان وقف الحملات الخطابية بالميادين، والإعلان عن قبولهم الحل السياسى، وأن مستقبل مصر والتيار الإسلامى أهم بكثير من بقاء شخص الرئيس، وأنهم على استعداد لانتخابات رئاسية جديدة شريطة الحفاظ على ضمانات المسار الديمقراطى وحيادية الجيش.
وعلى الجيش والحكومة المؤقتة الإفراج عن الرئيس وجميع المعتقلين والتعهد بعدم ملاحقة الإسلاميين، ووقف الحملات الإعلامية ضد الإخوان وإعادة فتح القنوات المغلقة. وعلى جبهة الإنقاذ التخلى عن نظرتها الاقصائية للإخوان، وإعلان أن الإخوان شركاء فى الوطن طالما التزموا بالديمقراطية، قيما وممارسات، داخل حزبهم وفيما بينهم وبين الأحزاب الأخرى.
●●●
أما المرحلة الثانية، فتبدأ بدعوة طرف وسيط (كمجموعة من المثقفين المستقلين) لجميع الأطراف، بما فى ذلك الجيش والمحكمة الدستورية، إلى طاولة حوار وتفاوض مستديرة وذلك كما تم بحالات أخرى بأوروبا وأمريكا اللاتينية وافريقيا. والهدف هنا هو تعديل المسار الحالى وإعادة العمل بالدستور وتشكيل لجنة لتعديله، ويمكن هنا الحوار حول ما إذا كان على د.مرسى القيام بتفويض صلاحياته بشكل نهائى ودائم إلى رئيس وزراء يتم الاتفاق عليه، بجانب الاتفاق على: الانتخابات البرلمانية وضماناتها وجداولها، ووضع ميثاق شرف إعلامى، وتشكيل لجنة مستقلة للعدالة الانتقالية وتقصى الحقائق للنظر فى كافة الانتهاكات قبل 25 يناير وحتى اليوم، وإرسال البلاغات الأخيرة (الحقيقية منها) ضد قيادات الإخوان إليها.
ويجب تحديد إطار زمنى للحوار والتفاوض وليكن 7 أيام، وصدور وثيقة مكتوبة تتضمن كافة الخطوات الجديدة والالتزامات والتعهدات، وذلك على غرار ما حدث فى حالات أخرى.
وأعتقد أن تعديلات الدستور يجب أن تراعى أننا نحتاج نظاما برلمانيا خالصا لأسباب كثيرة أهمها القضاء على الإرث الاستبدادى لمنصب الرئيس ونقل التفاعلات السياسية للبرلمان والأحزاب لتراقب وتحاسب رئيس الوزراء والوزراء.. وأتصور أيضا أنه يمكن التفكير فى بقاء الحكومة المتفق عليها لمدة أربع سنوات كحكومة وحدة وطنية فى هذه الفترة التأسيسية، مع خضوعها لرقابة البرلمان (أو تكون أول حكومة بعد الانتخابات حكومة وطنية موسعة لمدة أربع سنوات) كما حدث بجنوب أفريقيا بعد أول انتخابات تعددية.
●●●
إن الإصرار على أن يكون الصراع مباراة صفرية لن يؤدى إلا إلى استمرار مسلسل الدم وعدم الاستقرار وظهور تحالفات وموجات ثورية جديدة، فإلى فشل المسار الحالى والعودة قسرا لنقطة الصفر بتكلفة أعلى بشريا وماديا. إن ثورة المصريين ثورة كبرى ولن تتوقف إلا بتحقيق أهدافها فى تفكيك بنية الاستبداد وحماية الحريات وتحقيق العدالة الاجتماعية. فهل من عقلاء؟
استاذ مساعد فى العلوم السياسية بجامعة الاسكندرية