رسالة إلى شيخ الأزهر
محمد عصمت
آخر تحديث:
الثلاثاء 12 أغسطس 2014 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
حفلة تعذيب على الهواء مباشرة، تعرض لها مشاهدو حلقة برنامج «العاشرة مساء» الذى يقدمه وائل الإبراشى، أمس الأول، التى استضاف فيها الدكتور عبدالله النجار أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر والشيخ صبرى عبادة وكيل وزارة الأوقاف، ليردا على تشكيك الشيخ محمد عبدالله نصر فى بعض الأحاديث النبوية التى يتضمنها صحيح البخارى، حيث خرج المشاهدون بعد الحلقة وهم ناقمون على ابتعاد رجال الأزهر ــ سواء ضيفا البرنامح أو الذين شاركوا باتصالاتهم التليفونية ــ عن مناقشة القضية التى طرحها الشيخ نصر بإعادة قراءة الكثير من كتب الأحاديث والفقه التراث، وانهالوا على الرجل بالتقريع والتجريح الشخصى، وفى بعض الأحيان بالتحقير من شأنه، ووصل الأمر إلى حد مطالبة السيسى باعتقاله..!
قد يكون الشيخ نصر مخلصا فعلا لقضيته، وقد يكون «غاوى شهرة»، لكن ما طرحه فى البرنامج كان يستحق معالجة أكثر جدية من الأزهر، فالرجل يقول إن البخارى ضم بين دفتيه العديد من الأحاديث غير الصحيحة، منها ما يتعلق بأن النبى قد سحر على يد لبيد بن الأعصم، وكان يخيل له أن يفعل الشىء دون أن يفعله، وأن السيدة عائشة قالت فى حديث ذكره البخارى أن النبى كان يخيل إليه أنه يأتى النساء ولم يكن قد أتاهن، كما جاء بالبخارى أيضا أن القرود رجمت قردين ارتكبا فاحشة الزنا، بالإضافة إلى حديث إرضاع الكبير. كما أن النبى حاول الانتحار أكثر من مرة فى فترة انقطاع الوحى وأن جبريل منعه.
وكان مما ذكره أيضا الشيخ نصر أن كتب التراث تحوى الكثير من الأمور التى لا نقبلها الآن، منها جواز الاستنجاء بالإنجيل والتوارة، وأن خالد بن الوليد قتل الصحابى مالك بن نويرة وقطع رأسه ثم تزوج بزوجته بدون إنهائها فترة العدة، كما قال أيضا إن بعض الكتب التى تدرس بالأزهر تحض على القتل والتكفير، يستند إليها الشباب فى الانخراط فى تنظيمات متطرفة مثل داعش.
صحيح أن حظ الشيخ نصر من العلوم الدينية كان إلى حد ما متواضعا، حينما طرح نفسه كأحد رجال التنوير الذين يريدون تنقية تراثنا من الشوائب التى علقت به على مر الزمن، فهو لم يقدم لنا منهجا واضحا لتجديد الخطاب الدينى مثلما فعل مثلا د. نصر أبو زيد أو المفكر الجزائرى محمد أركون مثلا، ولم يتضح موقفه من الانتماء إلى فرق إسلامية محددة كالمعتزلة أو الأشاعرة التى تضع العقل مقياسا لفهم النص وتأويله، ولم يتضح أيضا انتماؤه لمجموعة القرآنيين مثلا التى ترفض السنة جملة وتفصيلا، ولكن رغم ذلك كله يحسب للرجل إصراره على فتح هذه الملفات الشائكة، التى تتطلب فقها جديدا لم يستطع هو شخصيا أن يقدمه، فى نفس الوقت الذى رفضه رجال الأزهر ــ الذين ظهروا فى الحلقة ــ رفضا باتا، وهم يتركون مشاهديهم فى حيص بيص!
كانت حلقة الإبراشى ــ فى جوهرها ــ رسالة إلى الإمام الأكبر أحمد الطيب بأن الأزهر يواجه أزمة حادة فى التواصل مع حياة المسلمين فى هذا الزمان، وأن حل هذه الأزمة لن يكون إلا بانفتاح الأزهر على المناهج العلمية المختلفة فى إعادة قراءة تراثنا الفقهى، بكل شجاعة وسعة صدر.