الآثار العربية والهوية
حسين عبدالبصير
آخر تحديث:
الإثنين 12 أغسطس 2019 - 9:55 م
بتوقيت القاهرة
تعانى الآثار فى عالمنا العربى بشدة كما لم تعانِ من قبل من قرون عديدة. ويعد سؤال البحث عن الهوية وماهية الوجود الحضارى فى العالم العربى من الأسئلة المؤرقة دوما وأبدا فى عالمنا العربى العريق والذى يعانى حاليا من تراجع كبير فى الاهتمام والحفاظ على الآثار فى عدد كبير من دولنا العربية بسبب الحروب والصراعات الأهلية التى تمزقها. ويزيد من حيرة ذلك العالم وحيرة أهله الوقوع بين هويات عدة تمتد إلى الماضى البعيد ويحيط بها الحاضر غير البهيج فى بعض البلدان العربية، ولا أحد يعلم مصيرها فى عالم المستقبل الغامض. وتدخل الآثار فى البلاد العربية فى هذا الخضم الهائل لتزيد من عمق السؤال وهوة التناحر وحدة التعارض بين تلك الهويات المتعارضة فى عدد من الدول العربية. ويمكن اعتبار عالمنا العربى محظوظا من كثافة ووفرة المواد الحضارية الأثرية؛ نظرا لاحتوائه على حضارات مهمة متعاقبة فى أقطار عديدة، لعل من بين أهمها الحضارة المصرية القديمة وحضارة بلاد النهرين وحضارات بلاد الشام وحضارات شبه الجزيرة العربية وغيرها. ولعل من بين أروع ما يميز حضارات تلك البلدان العربية هو الاستمرارية والتواصل الحضارى، لا الانقطاع الزمنى، على أرضها الحضارية العريقة، وهو ما يشكل لها تميزا بين حضارات العالم قديمه وحديثه، وفى الوقت ذاته تحديا كبيرا لتلك البلاد التى تعيش فى ظروف حضارية مغايرة لنهضتها القديمة التى أبهرت العالم قديما وما تزال تبهره وسوف تظل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ودون شك، فإن وجود آثار تلك الحضارات فى الأرض العربية، يجعل المواطن العربى مذهولا من عمق الهوة الحضارية الفاصلة عن ماضيه المشرف فى بعض دول عالمنا العربى، حين كانت بعض الحضارات الموجودة حاليا على الأرض العربية سيدة للعالم القديم فى وقت كانت البشرية جمعاء تبحث لنفسها عن بصيص أمل فى الظلام الدامس الذى كانت تعيش فيه مسترشدة بأنوار حضارات العالم العربى الباهرة.
إن سؤال النهضة هو النتيجة الحتمية لبعد الشقة بين المواطن العربى وبين الماضى المشرف فى عدد كبير من دول العالم العربى. ودون شك، فإن وجود هذه الآثار الخالدة على الأرض العربية يعمق الانتماء للعرب فى مضمار التطور الحضارى الذى مرت البشرية به منذ أقدم العصور إلى الآن. لكن السؤال الذى يُثار باستمرار: «لماذا لم نصل إلى ما وصل إليه أجدادنا؟!». ويفكر العرب المحدثون ثانية بصوت عالٍ: «كيف وصل أجدادنا إلى هذا التقدم المذهل الذى ما زال العالم يبحث فى أسراره؟ وكيف لنا أن نحققه؟». وفى حقيقة الأمر، فإن الإنسان العربى فى الغالب غير معنى بالكلية بالبحث عن تراثه، بل أكثر من ذلك يساهم البعض على نحو من الأنحاء فى العبث بهذا التراث العريق وتدميره غير مكترثٍ به، وباحثا لنفسه عن أى طريق يلحقه بالعالم المتقدم، وغير مفيدٍ من دروس التراث، وغير باحثٍ عن أسباب التقدم الكامنة وراء تميز حضارات العالم العربى القديمة.
وتبقى الآثار العربية شاهدة على عظمة الإنسان الذى كان يسكن العالم قديما، ومذِكرة الإنسان العربى الحالى بضرورة الأخذ بأسباب التقدم الحضارى حتى يصل ببلاده العربية إلى مصاف العالم المتقدم، ومضيفا كل ما هو جديد ومهم وحديث للتطور الحضارى العالمى، كما كانت حضارات وآثار العالم العربى قديما، لعل وعسى أن ننهض. حفظ الله بلادنا العربية وآثارها الغالية.