نســــــــج الفـــــــــرح


رضوى أسامة

آخر تحديث: الأحد 12 سبتمبر 2010 - 10:25 ص بتوقيت القاهرة

سألتنى باستحياء كيف تعلم أولادها الفرح، بعد ساعة من الفضفضة أخبرتها بأنها لا تعرف كيف تفرح نفسها وأن الفرح فن لا نجيده بالدرجات نفسها. اكتشفنا معا أنها لم تعرف طعم الفرح منذ ولادتها، ربما اختبرته مرات دون أن تركز فى مسمى المشاعر التى تشعر بها. بعد موت زوجها التى كانت تحبه، لم تعرف معنى الفرح ولم تخلع الأسود رغم مرور سنوات طوال حتى تظل محتفظة بذكراه.

شعرت بأن عليها أن تخلع الأسود فقط من أجل أبنائها، وعندما شعرت بأن أطفالها لا يفرحون طلبت مشورتى، وقتها اكتشفنا معا أنها كانت تغذى فيهم ثقافة أخرى طوال سنوات تنشئتهم ولم ترب فيهم ثقافة الفرح.

أعرف أن من إحدى سماتى الإيجابية أننى أستطيع نسج الفرح بسهولة، حتى فى تلك الأوقات الصعبة جدا التى اختبرتها بكثافة هذا العام وجدتنى وقد حاولت جاهدة أن استكمل نسج الفرح بطرق مختلفة.

فى البدء وعندما تكون قد تربيت على نسج المهام المفيدة وترك ما لا يفيد، ستجد من الصعوبة عليك الاستمتاع بالفرح.
هناك تفاصيل فى الحياة مبهجة، لا يفهم بهجتها إلا من يهتم بها، أفرح بفنجان قهوتى الصباحى وبالزرع الجديد الذى اشتريته وبفلة أنبتتها الزرعة الجديدة وزيارة سريعة لمسجد الحسين فى الصباح الباكر والسير فى الأزقة القديمة يمكنها أن تقلب شكل يومى وتحول مجراه.

أولى خطوات الفرح أن تعرف ما هى الأشياء التى إذا فعلتها ستفرح، عندما نصنع جدولا للأنشطة السارة فى جلسات العيادة مع أحد المرضى يجد صعوبة بالغة فى اكتشاف ما الذى يمكن أن يفعله لكى يحظى بأوقات لطيفة.

وفى بعض الأوقات نستعين بجدول للأنشطة السارة وضع مسبقا ويختار من بينه الفرد ما يحبه. مازلت أتذكر ذلك المريض الذى اكتشف أنه يحب قضاء المزيد من الوقت فى ترتيب أشيائه الخاصة ويشعر بسعادة حقيقية عندما يرتب تذاكر السينما القديمة التى يحتفظ بها، وأنه حزين لأنه لم يقم بفعل هذا منذ وقت طويل.

فى بعض الأوقات لا نسترق السمع إلى صوت رغباتنا الصغيرة ونخجل من الاعتراف بها. أنا مثلا أعترف أن فنجان القهوة الصباحى من الأشياء الجميلة فى الحياة، ولا أخجل من الاحتفال به قبيل رمضان، وأعزم نفسى عليه كآخر فنجان قهوة صباحى قبل الصيام، وبعد رمضان أحتسى آخر كمكافأة لى على حرمانى منه طوال فترة الصيام الصباحية، وأجد فى هذا النشاط متعه بريئة استمتع بها.

أظن أنه علينا أن نكتشف تلك المتع الصغيرة التى تسعدنا، ونتعلم كيفية الفرح بها. هذه الطاقة المفرحة ستؤنس أيام الحزن العميق، عندما تستسلم لمشاعر الحزن الأليمة والتى تفرضها علينا الظروف فى بعض الأوقات تذكر أن لديك مخزونا من الفرح الصافى، لديك أشياء تخصك وأناسا ستفرحك جميعهم سيساعدونك على الفرح.

أيضا لا يوجد ما يعيب الفرح أبدا، تلك السيدة التى تحدثت عنها فى بداية المقال، كانت تخجل من الفرح وتشعر بأنه ليس من حقها الفرح، وعندما تحدثنا عن أهمية ذلك لصحة أبنائها النفسية، وافقتنى بأنها ستفعل ذلك فقط من أجل أبنائها.

فى بعض الأوقات نمر بظروف صعبة تجعلنا نشعر بالضيق والحزن، ربما لفقدان حبيب أو طلاق أو وفاة أو حدث أليم، فى مثل هذا التوقيت نرمى بأنفسنا فى الحزن ونشعر بأنه من العار ألا نستسلم له، كيف يمكننى الاستمتاع بالحياة من بعده؟!

 

الحق أن الاستمتاع بالحياة ونسج الفرح من أكثر المهارات التى تقينا من الاكتئاب وتقلل من حدته عندما نصاب به. كلما شعرت بوخزة الحزن فى قلبى وجدتنى وقد أخرجت من صندوقى شيئا جديدا يمكننى الاحتماء داخله.. زرعة جديدة، فستانا وددت لو ارتديته، فنجان قهوة، قلما جديدا، كتابا ممتعا، فيلما جميلا.. أظن أنه مع العيد نحتاج لثوب جديد من الفرح.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved