مفاوضات السلام .. هل هى معركة الفرصة الأخيرة؟
فاروق جويدة
آخر تحديث:
الأحد 12 سبتمبر 2010 - 10:10 ص
بتوقيت القاهرة
لم يكن هناك شىء جديد يمكن أن يجد له مكانا على مائدة المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين فى البيت الأبيض تحت رعاية الرئيس الأمريكى باراك أوباما.. كان حضور الرئيس مبارك والملك عبدالله عاهل الأردن يمثل دعما قويا للجانب الفلسطينى مع بداية المفاوضات.. وكانت الأزمة الحقيقية أن كلا الطرفين يعرف كل أوراق الطرف الآخر وأن الإدارة الأمريكية لديها ملف كبير حول مفاوضات سبقت خلال ثلاثة عهود لثلاثة رؤساء منذ الرئيس بيل كلينتون مرورا على بوش الابن ثم هاهو الرئيس الثالث باراك أوباما يعيد قراءة نفس الملفات.
ليس من التجاوز أن نقول إن هناك مراحل سبقت من المفاوضات كانت أفضل بكثير فى ظروفها وأشخاصها وإمكانات نجاحها من المفاوضات الحالية.. لاشك أن مفاوضات عرفات ورابين كانت هى الأفضل من حيث النتائج والتى انتهت باغتيال رابين.. وكانت مفاوضات كامب ديفيد بين باراك وعرفات والرئيس كلينتون من الفرص النادرة التى أتيح فيها للجانب الفلسطينى موقف أفضل مع الإدارة الأمريكية.. ثم كانت مفاوضات عرفات وبيريز وجائزة نوبل للسلام ولكن ظهور الرئيس بوش الابن على الساحة كان يمثل انتكاسة حقيقية لمفاوضات السلام رغم أنه تحدث كثيرا عن الدولة الفلسطينية والحلم المؤجل إلا أن كراهيته الشديدة للرئيس عرفات تركت ظلالا قاتمة على عملية السلام طوال فترة حكم الرئيس بوش.
جاءت بعد ذلك قضية مقاومة الإرهاب وبدأ الخلط ما بين حق المقاومة وتحديد مفهوم واضح لمعنى الإرهاب وكان ذلك بكل تأكيد على حساب عملية السلام.. هذه الفرص جميعها كانت أفضل من حيث الأشخاص والمناخ والظروف فقد كان اغتيال رابين خسارة للجانبين كما أن انسحاب بيريز من الساحة السياسية ترك أثرا كبيرا وكان رحيل ياسر عرفات أيضا من أهم أسباب تراجع عملية السلام.
رغم أن مفاوضات السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل سواء كانت سرية أم معلنة قد بدأت منذ الثمانينيات، إلا أنها لم تقترب فى مرحلة من المراحل من صيغة نهائية لاتفاق ومصالحة مقبولة من الطرفين.. وإن كانت مفاوضات كامب ديفيد فى عام 2000 تحت رعاية ودعم الرئيس كلينتون قد اقتربت بالفعل من مناطق الاتفاق.
لاشك أن الرئيس بوش حمل الكثير من أسباب فشل مفاوضات السلام فى عهده خاصة مع غزو العراق وأحداث 11 سبتمبر ثم غزو أفغانستان والحرب على الإرهاب وكل هذه القضايا التى احتلت أولويات فى أجندة الإدارة الأمريكية وجعلت القضية الفلسطينية تتراجع من حيث الأولوية والاهتمام..
رغم أن العراق لم يمثل يوما تهديدا حقيقيا لإسرائيل إلا أن سقوط بغداد ووجود القوات الأمريكية فى بلد عربى قد أضاف لرصيد القوة الإسرائيلية أشياء كثيرة وربما سبق ذلك حرب الخليج وغزو الكويت وحالة التفتت والانقسام التى أصابت العالم العربى.. كان التشرذم العربى وسقوط بغداد من أفضل الأوراق التى قدمتها أمريكا للكيان الصهيونى.. ومع تراجع نتائج عملية السلام واختفاء أبرز القيادات الفلسطينية خاصة الشيخ أحمد ياسين وياسر عرفات دخلت القضية الفلسطينية سردابا طويلا مظلما تجسد بصورة مخزية فى المعارك التى دارت بين فتح وحماس.. وكان من الممكن أن تكون الانتخابات فى الأرض المحتلة بداية عصر جديد للقضية الفلسطينية إلا أن رفض نتائج هذه الانتخابات من أمريكا وإسرائيل وحتى الدول العربية أشعلت نيران المواجهة بين سلطة منتخبة تمثلها حماس وسلطة مفروضة تريدها إسرائيل وأمريكا والدول العربية.
كان هذا أخطر مسمار فى عملية السلام فقد وجدت إسرائيل أمامها فرصة نادرة لن تتكرر وهى انقسام الشارع الفلسطينى على نفسه.. كان من الممكن أن يبقى الصراع بين الأشقاء الفلسطينيين كما يقولون فى البيت وداخل الأسرة ولكن حين انطلقت الرصاصات الطائشة من بنادق الأشقاء وسقط القتلى وتم إعلان غزة جمهورية مستقلة وإعلان رام الله حكومة للشعب الفلسطينى كان هذا الانقسام أهم أسباب فشل أى مفاوضات للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين.. والحقيقية أن هذا الانقسام بل هذا العداء بين حماس والسلطة الفلسطينية هو الذى يحمل أسباب هذه النكبة بل إنه لا يقل فى خطورته وتأثيره عن نكبة 1948.
منذ افترق الأشقاء حماس والسلطة كان هناك شبح يجلس على مائدة المفاوضات يعمل لحساب إسرائيل.. كان الانقسام الفلسطينى هو أهم الأوراق التى لعبت بها إسرائيل فى كل المفاوضات بل إن أمريكا وبعض الدول العربية خلقت الكثير من الأعذار لإسرائيل بسبب ذلك.
وفى عدوان إسرائيل الوحشى على غزة زادت الجراح عمقا واتسعت دوائر الخلاف والانقسام وتصورت حماس أن السلطة الفلسطينية وبعض الدول العربية قد أعطت لإسرائيل الضوء الأخضر للقيام بهذا العدوان.
فى هذه اللحظات دخلت أطراف أخرى وتسللت إلى الشارع الفلسطينى وحاولت استثمار هذه الانقسامات.. دخلت إيران وسوريا إلى أجندة حماس فى غزة ودخلت الإدارة الأمريكية وبعض دول الجوار العربى إلى رام الله وفى كل يوم كانت تتسع دوائر الخلاف بين الأشقاء.
كانت هذه الانقسامات من أهم الأسباب التى أجهضت عملية السلام خاصة أن إسرائيل ارتكبت مجموعة من الأخطاء كان أبرزها عدوانها الغاشم على غزة.. لقد تصور صقور إسرائيل أنهم قادرون على تدمير غزة فى عدة أيام وتدمير حماس معها وبعد أكثر من شهر خرجت القوات الإسرائيلية من غزة تجر أذيال الخيبة والهزيمة والعار. لقد صمدت حماس فى غزة وكسبت تأييدا كبيرا واسعا فى الشارع العربى.. وبدأت رحلة الحصار على أهالى غزة وتكشفت أمام العالم كله مؤامرة تجويع الشعب الفلسطينى ومع إغلاق المعابر وزيادة حدة الحصار كانت مواكب الدعم التى حركت الرأى العام العالمى ضد إسرائيل وكان آخرها قافلة الحرية وما ترتب عليها من نتائج سيئة بين تركيا وإسرائيل.
ولهذا لم يكن غريبا أن يقتل الجناح العسكرى لحماس أربعة مستوطنين يهود قبل أن تبدأ المفاوضات بين نتنياهو وأبومازن فى واشنطن.. رغم أن الأرض المحتلة لم تشهد عمليات فدائية للمقاومة منذ شهور إلا أن توقيت هذه العملية كان يحمل رسالة تؤكد موقف حماس من مفاوضات السلام وكان تأكيدا أن شبح الانقسام مازال يتحكم فى دائرة القرار الفلسطينى.. لاشك أن هذا الانقسام كان ومازال يمثل أخطر نقاط الضعف فى الموقف الفلسطينى.. لقد وضع القضية الفلسطينية أمام بديلين لا ثالث بينهما طرف يرى إيقاف عمليات المقاومة تماما وفتح أبواب التفاوض وطرف آخر يرى أن المقاومة هى الحل الوحيد الذى لا بديل غيره.
من المؤكد أن الرئيس باراك أوباما يتمنى لو وصل إلى حل فى قضية الصراع العربى الإسرائيلى حتى يتفرغ لقضايا أخرى خاصة أن لديه إحساسا بأن القضايا قد تداخلت فى بعضها.. أن الأزمة مع إيران تلقى بظلالها على القضية الفلسطينية وإذا انتهت هذه القضية يمكن التفرغ لإدارة معركة أخرى مع إيران سواء بالحرب أو السلم.. كما أن تركيا بدأت تتحرك نحو العالم العربى وهى ترتكز فى حركتها على الصراع العربى الإسرائيلى مستخدمة قضية القدس وحصار غزة.. والأنظمة العربية الموالية لأمريكا تواجه حرجا شديدا أمام شعوبها بسبب مواقفها المؤيدة للإدارة الأمريكية كل هذه الأسباب جعلت الرئيس أوباما يصر على بدء مفاوضات مباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين.
لا شىء جديدا فى المفاوضات وإن بدأت هادئة لأن كل طرف يحاول أن يلقى مسئولية فشلها على الطرف الآخر.
حين تحدث الرئيس مبارك كان حاسما وواضحا وهو يؤكد موقف مصر الداعم لحقوق الشعب الفلسطينى ابتداء بإقامة دولته المستقلة وانتهاء بقضية القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية وأن على الشعب الإسرائيلى أن ينتهز هذه الفرصة لتحقيق السلام وأن نقطة البداية لإثبات حسن النوايا هو وقف بناء المستوطنات.
على الجانب الآخر كان أبومازن يعيد الحديث عن جميع الملفات القديمة التى يعرفها الجانب الإسرائيلى وليس فيها شىء جديد.. وهى وقف الاستيطان وقضية القدس وإعلان قيام الدولة الفلسطينية وحق العودة للشعب الفلسطينى وجاء نتنياهو ليؤكد مطالب إسرائيل فى الأمن والاعتراف بها كدولة للشعب اليهودى مقابل إعلان الدولة الفلسطينية للشعب الفلسطينى وبقيت قضية الحدود عاملا مشتركا بين الجانبين.
فى ختام الجلسة الأولى للمفاوضات لم تتردد وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون فى أن تؤكد أنها قد تكون الفرصة الأخيرة للطرفين لإجراء مفاوضات مباشرة والوصول إلى اتفاق سلام.. ولاشك أن اجتماعات واشنطن وضعت جميع الأطراف أمام مأزق واحد.
إن حكومة الائتلاف اليمينى التى يرأسها نتنياهو أكدت موقفها فى تصريحات متشددة للحاخام اليهودى عوفاديا يوسف الزعيم الروحى لحركة شاس الدينية وهى الشريك الأساسى فى الائتلاف الحكومى حين دعا على الشعب الفلسطينى بالاختفاء هو وزعيمه محمود عباس وأن يضربه مرض الطاعون..
فهل يستطيع نتنياهو أن يمضى فى قرار وقف بناء المستوطنات بعد يوم 26 سبتمبر وهى المهلة التى حددتها الحكومة أم سيرضخ لأوامر المتشددين فى حكومته ويبدأ مرحلة جديدة من بناء المستوطنات..
وهل يقبل محمود عباس أن يوافق على إعلان إسرائيل دولة يهودية للشعب اليهودى وهل يعنى ذلك خروج الفلسطينيين منها أو رفض قرار العودة من الخارج..
وماذا عن الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح التى يريدها نتنياهو.. ماذا عن موقف القدس وهل ستوافق إسرائيل على إعلان القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية..
وقبل هذا كله ماذا عن رسم الحدود بين الدولتين وفى الأراضى الفلسطينية آلاف المستوطنات التى زرعتها إسرائيل لتكون ألغاما فى هذه المناطق السكنية وكيف يتحقق السلام فى الأراضى التى اغتصبتها عصابات المستوطنين فى أرض فلسطين.
وقبل هذا كله ماذا عن عمليات التهويد التى تتعرض لها القدس بما فيها الأماكن الإسلامية والمسجد الأقصى وأضرحة المسلمين والأماكن التاريخية التى دمرتها إسرائيل.. لقد كانت القدس من أهم أسباب فشل توقيع اتفاق سلام أوشك أن يتم بين عرفات وباراك فى كامب ديفيد فى عام 2000 تحت رعاية الرئيس كلينتون ولكن الخلاف اشتد حول أماكن كثيرة فى القدس كانت إسرائيل تصر على الاحتفاظ بها.
إن إسرائيل تبالغ كثيرا فى الشروط التى تضعها تحت بند أمن إسرائيل أنها تريد دولة فلسطينية بلا جيش وبلا اتفاقيات دولية وتصر على رقابة دولية وإسرائيلية على الحدود.. إنها تريد وضع قوات إسرائيلية لمنع تهريب السلاح للفلسطينيين على حدود مصر والأردن ولا تكتفى بالقوات الدولية المشتركة وهذا يعنى أن يكون هناك حصار كامل على حدود الدولة الفلسطينية كما أنها تضع تصورا غريبا لسيطرتها على القدس بما فى ذلك مواقع المقدسات الإسلامية والمسيحية.. وفى خطط إسرائيل أيضا إصرار على البقاء فى مناطق كثيرة بالضفة الغربية توجد فيها آلاف المستوطنات ومئات الآلاف من المستوطنين.
إن أجندة المطالب الإسرائيلية كثيرة ومعقدة وقد يكتشف المفاوض الفلسطينى إذا تحققت هذه المطالب أن الدولة الفلسطينية التى تريدها إسرائيل منزوعة السلاح ومحاصرة من كل اتجاه ليست دولة ولكنها مجرد لافتة تحت الوصاية الإسرائيلية.
وفى ظل الانقسام الفلسطينى وموقف حماس واتهام القوى الفلسطينية المختلفة للرئيس أبومازن بأنه يجرى وراء وهم وسراب سوف يجد أبومازن نفسه أمام مأزق خطير.. إنه مطالب بالمزيد من التنازلات فى القدس والمستوطنات ومقومات الدولة وهو لا يستطيع أن يلبى كل هذه المطالب أو يقدم كل هذه التنازلات خاصة أن حماس تقف له بالمرصاد فى كل خطوة يسعى إليها.
على الجانب الإسرائيلى يحاول نتنياهو المتشدد العتيق أن يبدو رجل سلام أمام العالم وأمام دول المنطقة ولكن حكومة الائتلاف الدينى المتشدد تهدد كل قراراته ابتداء بليبرمان وزير خارجيته وزعيم عصابة الرفض وانتهاء بقيادات حركة شاس الدينية.
كان الرئيس أوباما واضحا وهو يقول فى كلمته أمام الاجتماع الأول لبدء المفاوضات أن أمريكا لا تستطيع أن تفرض حلا أو قرارات على أطراف النزاع وأن عليهم أن يصلوا معا إلى جوانب هذا الاتفاق.. لقد انتهى الاجتماع الأول بمصافحات حارة وكلمات جميلة عن السلام والأمن والاستقرار بين أبومازن ونتنياهو وقد سمعنا مثل الكلام من قبل عشرات بل مئات المرات فهل يصدق الكلام هذا المرة.
إن هذه هى الجولة التاسعة فى مسيرة المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين منذ عام 1979 وحتى الآن.. إنها ثلاثة عقود تفاوتت درجة الصدام والاتفاق فيها من زعيم لآخر.. وكما قلت فقد شهدت هذه المفاوضات أكثر من عشر وزارات إسرائيلية وثلاثة رؤساء للقوى العظمى وشاركت فيها قيادات فلسطينية كثيرة فى ظل ياسر عرفات ومحمود عباس ومعهما سلسلة طويلة من الأسماء والأحداث والمواقف هل يمكن أن تفتح مفاوضات واشنطن والمبادرة الأمريكية فرصا حقيقية للسلام وهل يمكن أن يلتقى أطراف الصراع فى منطقة ما لوضع نهاية لهذه المأساة الإنسانية.
هل يستطيع الجانب الفلسطينى أن يجمع شتات فصائله ويقبل حلا مرضيا لهذا الصراع وهل يمكن أن تجلس القيادات الفلسطينية مع بعضها فى لحظة تاريخية فارقة لتحدد مستقبل الصراع العربى الإسرائيلى.. وهل يمكن أن يتخذ نتنياهو موقفا تاريخيا مثل بيجين أو رابين أم أن جميع هذه المحاولات تدور فى مكان واحد لم تفارقه منذ أكثر من عشرين عاما.. قد يرى البعض أنها فرصة تاريخية نادرة لتحقيق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين وقد يرى البعض الآخر أنها فرصة لإسرائيل لكسب المزيد من الوقت..
ولكن الشىء المؤكد أن الساحة تشهد مستجدات جديدة تدعو لمزيد من الخوف والقلق يأتى فى مقدمتها الموقف فى إيران والمستقبل الذى ينتظر لبنان وما يمكن أن يحدث فى غزة وما يدور على الحدود بين سوريا وإسرائيل وقبل هذا كله ما هو المستقبل الذى ينتظر العراق بعد رحيل القوات الأمريكية..
لا يمكن أن نتجاهل كل هذه الأوراق فى حسابات إسرائيل مع الإدارة الأمريكية ولاشك أن وضع نهاية للصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل يمكن أن يعطى أمريكا وإسرائيل فرصا أكبر للتعامل مع ملفات أخرى تفرض نفسها هل اجتماعات واشنطن وما سيتبعها فى شرم الشيخ أو غيرها ستكون الفرصة الأخيرة لتحقيق السلام أم أنها ستلحق بكل الفرص الضائعة التى دارت طوال السنوات الماضية ولم تحقق شيئا.. سؤال من الصعب أن نجد من يجيب عنه.