إذا انقرض الرجال
جميل مطر
آخر تحديث:
الأربعاء 12 سبتمبر 2012 - 8:10 ص
بتوقيت القاهرة
كان الإغريق، فى زمنهم القديم، كرماء فى صنع الآلهة. لم يتعرفوا على شىء جميل أو مخيف إلا وخلقوا له إلها أو إلهة لتحميه أو تردعه. خلقوا للفنون أبوللو وللحكمة أثينا وللحرب آريس وللحب والجمال أفروديت. خلقوا أيضا هيستيا إلهة عذراء للموقد والطبخ ونحتوها شبه «سافرة»، وخلقوا إلى جانبها هيرا إلهة للزواج والنساء والولادة والملوك والإمبراطوريات وجعلوها جميلة و«محجبة».
خلقوا للنساء آلهة عديدة ولم يخلقوا للرجل، على ما أذكر، إلها واحدا.
•••
يبدو أن التقدم الكبير الذى أحرزته تجارب «تخصيب» النساء بحيوانات منوية مودعة فى بنوك خاصة بها ومجمدة لفترات طويلة أو قصيرة، هذا التقدم دفع بباحثين اجتماعيين إلى فتح مناقشة حول أهمية وجود الرجل فى حياة المرأة، ثم ذهبوا إلى أبعد من ذلك، راحوا يناقشون أهمية وعدم أهمية دور الرجل فى استمرار الجنس البشرى.
•••
بدأ طرح الموضوع بفكرة جريئة ولعلها بالنسبة لكثيرين من أطراف النقاش، كانت صادمة. قيل فى الطرح إن النساء لسن فقط ضروريات لاستمرار عملية التناسل ولكن أيضا كافيات وحدهن. فى الوقت نفسه، تزداد مع اطراد التقدم العلمى مؤشرات على أن الرجال لم يعودوا «بالضرورة» ضروريين لاستمرار هذه العملية، و هم بالتأكيد غير كافين وحدهم لاستمرارها. لم يعد وجود الرجل لحظة الإخصاب شرطا حتميا لإتمام العملية. نعرف هذا لأننا نتابع الزيادة المتتالية فى عدد النساء اللائى يلجأن لأساليب لا تتطلب وجود الرجل، فضلا عن أنه كان معروفا حتى قبل اختراع هذه الأساليب أنه منذ اللحظة التى يجرى فيها إنتاج «الخلية الأولى» أى البويضة، مرورا بمرحلة تشكل الجنين وتطوره داخل رحم الأم وصولا إلى مرحلة الولادة وإرضاع المولود، لا دور للوالد يستدعى بالضرورة وجوده شخصيا. هذا الرجل الذى أصبح والدا، قد يكون قضى طول هذه المدة فى السجن أو فى العمل فى البحر أو مقاتلا فى الحرب، بل يمكن أيضا أن يكون ميتا.
•••
كتب جريج هامبيكيان إلى «الإنسان» يذكره بأنه على مدى تسعة شهور «كنت جنينا تسرق من عظام أمك المعادن ومن رحمها الأكسجين. كنت تخصم من نصيبها غذاءك وطاقتك وحاجتك من المناعة. اقتطعت منها ثلاثة أو أربعة كيلو جرامات حين اكتملت جنينا حيا، وعند توديعها لك أحاطتك ببلايين البكتريا غطت بها جلدك لتحميه مما أعدته لك الدنيا من صنوف المرض والعلل. ثم احتضنتك لترضعك، فحصلت على كل ما تحتاج إليه من الماء والبروتين والسكر والدهون والحماية، وعندما كانت تقبلك فى فمك كانت تتعرف على ما تسرب إلى جسمك الضعيف من جراثيم فيستعد جسمها لمقاومته بالمضادات يفرزها فى لبن الرضاعة. أين كان الرجل، أين كان والدك، وماذا فعل لك خلال تسعة شهور قضيتها فى رحم والدتك، ثم خلال شهور أخرى قضيتها فى حضنها ترضع وتنمو».
•••
اشتركت أقلام عديدة فى النقاش حول أهمية وجود الرجل فى عصرنا الراهن. كتب علماء اجتماع مؤكدين أهمية وجود الرجل فى حياة العائلة، ويستشهدون بدراسات تثبت أن وجود رجل فى البيت فى مرحلة نضوج الأطفال والمراهقة أمر مهم. كتب آخرون يعترضون على هذا الجدل معتبرين أن الحياة وإن ارتبطت فى بدايتها بحيوان منوى، فالمعنى واضح وهو أنه بدون الرجل ما كان الجنين. هنا يتدخل من يقول، هذا صحيح ويعنى أن للذكر دورا، وهذه حقيقة لا خلاف عليها، ولكنه الدور غير المشروط بوجوده. سيأتى يوم تحصل فيه امرأة على حيوان منوى من رجل عاش قبل ألف عام، أو يعيش فى قارة أخرى لم تره يوما فى حياتها وقد لا تراه هى وأولادهما بقية حياتهم.
•••
خرج من يرد على المعترضين على مناقشة دور الرجل ومدى الحاجة إليه فى المستقبل. قال أحدهم إن قضية الإخصاب باستخدام أساليب أخرى سبق أن ناقشها بعمق رجال الدين اليهود فى القرن الخامس قبل الميلاد، وبينهم من اقتنع بفكرة أن دور المرأة فى التناسل والمحافظة على النوع أهم كثيرا من دور الرجل. كتب أحد المهتمين بالموضوع يقول إنه حتى إذا اختفى صنف الرجل اليوم فسوف تستمر البشرية طالما توافر لدى البنوك رصيد كافٍ من الحيوانات المنوية المجمدة. أما إذا انتهى، لا قدر الله، صنف النساء فالبشرية إلى فناء مؤكد.
•••
سألت باحثة إحدى السيدات عن رأيها بعد أن أطلعتها على خلاصة النقاش وما يثار عن الأهمية المتدنية لدور الرجال وتضاؤل الحاجة لهم، قالت: هذا صحيح.. ولكنهم مسلون، وقد يصيبنا الملل إن اختفوا.