حول مسميات الحكم العكسية
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الجمعة 12 سبتمبر 2014 - 8:10 ص
بتوقيت القاهرة
ليست شفافية مؤسسات وأجهزة الدولة بترف، ولا حق المواطن فى الحصول على المعلومات والإفادة من تداولها بحرية برفاهية. فى الدول الديمقراطية والمجتمعات المفتوحة استقرت قيمة الشفافية ورسخ الحق فى الحصول على المعلومات كمكونين أساسيين لإدارة العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
أما فى بر مصر، فابتعاد الحكام ومؤسسات وأجهزة الدولة عن الشفافية واحتكارهم للمعلومات وممارستهم للاستعلاء على حق المواطن فى المعرفة هم قواعد أساسية لم تتغير منذ خمسينيات القرن العشرين، ودوما ما روج «إعلام الحكام» لحتمية قبولنا لها إن «لدواعى الأمن القومى» أو «لخطورة التحديات الداخلية والإقليمية والدولية»، التى نواجهها أو «لتعقد الحقائق والمعلومات» وصعوبة إلمامنا بها كمواطنات ومواطنين.
فى بر مصر اليوم، تحجب حقائق ومعلومات وتفاصيل جوهرية عن أزماتنا الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية وعن الخطط الحكومية المحددة للتعامل معها وتداعياتها علينا كمواطنات ومواطنين ــ مثال: جميعا ندرك جيدا أن هناك أزمة طاقة خانقة، ونعرف أن مصر تحتاج إلى الكثير من المليارات، لكى يقترب تدريجيا إنتاجنا من الطاقة من معدلات استهلاك الأفراد واحتياجات المصالح والقطاعات العامة والخاصة. إلا أن الحقائق والمعلومات بشأن أسباب الأزمة الراهنة، لا تتداول ويحال بيننا وبين الحصول عليها.
فى بر مصر اليوم، تحجب حقائق ومعلومات وتفاصيل جوهرية بشأن أداء وممارسات مؤسسات وأجهزة الدولة، وظواهر كالفساد وغياب حيادية الخدمة العامة والجمود البيروقراطى، وخطط التطوير / التحديث الحكومية المنوط بها إحداث شيء من التغير الإيجابى ـ مثال: جميعا ندرك أن جودة الخدمات التى تقدمها مؤسسات وأجهزة الدولة المعنية بقطاعات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية تكاد تكون غائبة بالكامل وأن كفايتها للقطاعات الشعبية المعتمدة عليها تتراجع بشدة. بعيدا عن وعود حكومية متكررة وعن اعترافات بعض صناع القرار فى السلطة التنفيذية بسوء الخدمات المقدمة وعدم كفايتها واحتياجنا لمصادر تمويل إضافية لإحداث التغيير، لا نمكن كمواطنات ومواطنين من الحصول على الحقائق والمعلومات المرتبطة بالخطط الحكومية المحددة ولا السياسات المتبعة لتطبيقها ولا معايير التقييم الحكومى ونتائجها.
فى بر مصر اليوم، تحجب حقائق ومعلومات وتفاصيل جوهرية بشأن طبيعة التحديات الداخلية والإقليمية الواردة على الأمن القومى وتداعياتها على الأوضاع فى سيناء أو على امتداد الحدود مع ليبيا أو فى مناطق أخرى ـ مثال: جميعا ندرك وجود تنظيمات إرهابية وجماعات عنف تحمل السلاح ضد مؤسسات وأجهزة الدولة العسكرية والأمنية وتتورط فى القتل والعنف والإجرام فى سيناء وفى المناطق القريبة من ليبيا، ونفهم أن وراء هذه التنظيمات والجماعات مصادر متنوعة للتمويل وللتسليح. إلا أن هوية هذه التنظيمات والجماعات، وأهدافها قصيرة المدى وطويلة المدى إن لم تكن تمارس الإرهاب والعنف طلبا أحاديا للوحشية والدموية تظل كلها غائبة عن معرفتنا ومداركنا. ويحال بيننا كمواطنات ومواطنين وبين الحصول على حقائق ومعلومات تساعدنا على فهم طبيعة التحديات المحيطة بنا. فالدفاع عن الأمن القومى يبدأ أيضا بإخبار المواطن وتمكينه من حقائق ومعلومات تخاطب وطنيته الرشيدة وفعله المسئول.
إذا كان هذا هو حالنا اليوم بشأن القضايا والأمور السابقة، فلا عجب فى أن تغيب الحقائق والمعلومات تماما عن ملفات انتهاكات الحقوق والحريات والممارسات القمعية وضحاياها. ولا عجب أيضا فى أن تروج صناعة الخوف ونظريات المؤامرة والحشد الأحادى للاعتماد على البطل المنقذ لمواجهة الأخطار والتهديدات والتحديات (هو يعرف ونحن لا نعرف!).
غدا هامش جديد للديمقراطية فى مصر.